قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (44) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47) وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}.
الدنيا دار اقامة ودار جزاء، وانما هي دار امتحان، والامتحان نوعان:
الامتحان الذي يتخذ اتجاهات كثيرة، كالتضليل الاعلامي الجمعي، وهوكالوباء الذي ينتشر بسرعة، كوباء انفلونزا الطيور، يدخل هذا الوباء بشكل مفاجئ، وبشكل مكثف، كذلك الانسان ومن دون سابق انذار يقع في موجة من الاعلام المكثف، او توجيهات التيارات المختلفة
-
اولاً: الامتحان الشخصي
الحياة ذات اهداف مقدسة ومشروعة، ولكن الوسائل الى هذه الاهداف قد لا تكون وسائل مشروعة، ومن أبعاد امتحان الرب للانسان، أن الحرام يأتي قبل الحلال، فيعترض له الحرام بأي شكل من الاشكال، أما اذا ترك الحرام، فإن الحلال يأتيه، وبأضعاف كثيرة، والأهم انه أهنأ من الحرام.
-
ثانيا: الامتحان الجمعي
فهذا الامتحان الذي يتخذ اتجاهات كثيرة، كالتضليل الاعلامي الجمعي، وهوكالوباء الذي ينتشر بسرعة، كوباء انفلونزا الطيور، يدخل هذا الوباء بشكل مفاجئ، وبشكل مكثف، كذلك الانسان ومن دون سابق انذار يقع في موجة من الاعلام المكثف، او توجيهات التيارات المختلفة.
عادة الامم تمتحن بهذا الامتحان الجمعي مرة او مرتين في السنة، فمرة تمتحن بالحرب، ومرة بالرخاء، واخرى بظالم يتسلط على رقاب الناس، وهذا الامتحان ليس لشخص واحد، وانما امتحان لمجتمع بشكل عام، وباعتباره امتحان للمجتمع، فإن البعض يتجه في هذا الاتجاه، وهو يردد المقولة:” حشر مع الناس عيد”، تراه يجري خلف الاعلام المضلل دون تفكير، وصدق الامام الحسن المجتبى، عليه السلام، حين يقول:” أو حشر مع الناس الى النار عيد”؟.
هذا الامتحان الصعب يعيشه العراق الان، كذلك ايران هذا الامتحان، ففي ايران مثلا، لأسباب معينة ارتفع سعر البنزنين، حينها تحركت الماكنة الاعلامية المعادية، عبر الدعاية، والاكاذيب، فخرج الناس الى التظاهرات لا يعرفون من يقودهم، فالذين تظاهروا في طهران، هم اليوم انفسهم شيعوا الشهيد قاسم سليماني رحمةُ الله عليه.
وكذلك مصر والسعودية وغيرها من الدول تمر بامتحان جماعي، وممكن حصوله في أي مكان في العالَم، وهنا الذي عادة ما تصبح الرؤية ضبابية، فما هو المنجى والمنقذ؟
-
هناك ثلاث منجيات:
اولاً: ذكر الله:
فعند تغول1 الغيلان، و تعدد وسائل الإعلام، وعندما يصبح الانسان في موجة الطوفان المتسارعة، هنا لابد من ذكر الله، :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيراً}، وهنا لا بد من الاكثار من ذكر الله، ثم يقول تعالى: {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}، فتبيسح الله، يعني أن المنزه هو الله، وليس الذات الانسانية، فالمقدس هو الله وحده، فذاك الانسان ليس مقدس، وتلك الاذاعة، وذلك التلفزيون ليس مقدسا، فإذا ذكرت الله كثيرا، وسبحته بكرة واصيلا، ماذا ستكون النتيجة؟
{هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ}، فكيف يصلي الله علينا؟
صلاة الله علينا، هو بتوجيه شآبيب2 رحمته علينا، ويجعل القلب مركزا لنوره، وصلاة الملائكة، هي دعوتهم للمؤمنين، وبهذا تكون المحصلة: {لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}، يخرجنا من ظلمات الهوى وظلمات الاعلام المضلل، الى نور الهدى، {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}، والرحمة هي ايصاله الى طريق الهداية.
فالله سبحانه وتعالى في هذه الدنيا، يبصر هؤلاء المؤمنون، حتى لا تتقاذفهم التيارات الضلالية والمنحرفة، فإذا كان هذا في الدنيا، فما جزاؤهم في الآخرة؟
{تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا}، فالله سبحانه وتعالى يسلّم عليهم، كذلك الملائكة تسلّم عليهم، وهم يسلمون على بعضهم البعض، والسلام يعني الأمن، وهذا يعني ان هذا الانسان يكون بعيدا عن اهوال يوم القيامة، والأجر الكريم، هو ذلك الذي يتناسب مع كرم الرب الجليل، وكرم الرب لا حدود له، واذا عدنا الى روايات أهل البيت،عليهم السلام، حول الجنة، نراها ارقاما فلكية، لا يمكن احصاؤها أو عدها، وهذا هو كرم رب العزة.
ثانيا: الرجوع الى الله والرسول ومَن يمثلهم:
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا}، فالانسان في الظلام الحالك ماذا يحتاج؟
يحتاج الى النور، وهذا النور هو نور النبي، صلى الله عليه وآله.
وقد يتساءل البعض، الآن أيم هو نور النبي؟
نور النبي يتجلى في كلماته، واخلاقه، وسيرته، وأهل بيته من بعده، فالامام علي، عليه السلام، وفاطمة الزهراء، عليها السلام ومرورا بالائمة المعصومين، هو نور النبي، صلى الله عليه وآله، كذلك نور النبي يتجلى في العلماء الربانيين.
يقول الامام علي، عليه السلام: “يا كميل؛ الناس ثلاثة: فعالم رباني ومتعلم على سبيل نجاةوهمج رعاع أتباع كل ناعق”.
فهناك من الناس يتبعون كل ناعق، سواء على ناعق ظهر على التلفزيون، أو ناعق على مواقع التواصل الاجتماعي، لا يفكر مَن هو هذا، ولمن ينتمي، ولهذا على الانسان البحث عن العالم الرباني، ليتشبث به، والمشي خلفه، لان اتباع العلماء منجاة حتى لا تزل الاقدام، فالانسان الذي لا يتبع العالم الرباني، ولا هو نفسه يتعلم، فمصيره أن يكون من الهمج الرعاع، فالذين خرجوا لقتل الامام الحسين، عليه السلام، اصدق مثال تاريخي على الهمج الرعاع.
واليوم؛ في واقعنا هناك من الهمج الرعاع، يُخدعون ببعض الاموال، فيذهبون الى امريكا، ثم ترى بعدها ذلك الكلام القذر الذي يظهر على وسائل الاعلام.
ثالثا: عدم اطاعة الكفار والمنافقين
{وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ}.
على الانسان أن يفكر الى هذا الذي يتكلم على الشاشة مَن هو، ومن يقف خلفه، ومَن يموله، ولهذا ترى هؤلاء الاعلاميين قذرين على مستواهم الشخصي، وعلى وسائل التواصل كذلك ترى الفاظهم بذيئة، ومن هنا يقول تعالى {فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إلى طَعَامِهِ}، ورد في تفسير هذه الآية، فلينظر الانسان الى علمه ممن يأخذه، فليس كل واحد يستحق أن تسمع منه، فلا بد من مقاطعة كاملة مع الكفار، ولهذا ترى مَن يستمع الى اولئك الناعقون تكون عاقبتهم سيئة جدا.
الله سبحانه وتعالى مَنَّ علينا أن جعلنا من بلد اسلامي، ومِن أبوين مسلمَين، فما الداعي للبعض أن ينجر وراء المضلين والمنحرفين.
بلدنا يتعرض لهجمات فكرية، ففي زمن عبد الكريم قاسم، ومع دخول الشيوعية الى العراق، هب بعض الشباب الى هذا الفكر مع عدم معرفتهم ما هو هذا، ومن يقف خلفه، وحين جاء البعث غيّر اولئك الشباب وجهتهم ودخلوا في حزب البعث، ولأنهم لا بصيرة لهم، اصبحت الاهواء تتجاذبهم ” أتباع كل ناعق يميلون مع كلِ ريحٍ”.
نحن إنما نذكر الله ذكرا كثيرا، ونسبحه بكرة واصيلا، لكي نعرف أين نضع اقدامنا، ومع مَن نختلط، ولهذا لابد من الحذر من اتباع الناعقون، ولهذا يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين}، لابد ان نكون مع هؤلاء الصادقون، ويقول في آية أخرى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ}، ان نكون من الخيرين والطيبين في المجتمع.
—————————————-
1ـ تَغَوّل الغِيلان القوم: أضلّتهم عن المحجّة.
2ـ شؤبوب: جمع شآبيب: دفعة من المطر أو: غَمَرَهُ بعَفْوهِ