كتب أحد الغربيين مرة يقول: «عندما نزلت سورة الحديد على محمد بن عبدالله، ضحك العرب من ذلك وقالوا: هل يستحق الحديد سورة من الله؟ ولكننا فهمنا فيما بعد، أهمية الحديد، وبدأنا نبحث عنه، وعندما بدأ العرب يقرأون السورة، كنّا قد اكتشفنا الحديد، وبدأنا في تصنيعه، وعندما بدأ العرب، في تجويد السورة، كنّا قد صنعنا من الحديد طائرات، وأرسلناها في السماء».
ما قاله الرجل الغربي عن لا مبالاة العرب بالقرآن الكريم، كلامٌ صادق وصحيح مائة في المائة، فلا مبالاة العرب تبرز بأشكال مختلفة؛ مثل الاكتفاء بالتلاوة اللفظية، أو الاهتمام بالتجويد، أو الطباعة الجيدة.
وكتب أحد الغربيين أيضاً يقول: «القرآن كتاب جيد، لولا أن العرب لا يعرفون ذلك. ونحن نتعصب ضده»!
وهذا الكلام، يعبّر بصدق عن «ضياع القرآن»، بين حقد مبغضيه، وجهل أبنائه، أي بين أصدقائه، وأعدائه؛ فأعداؤه يتعصبون ضده، وأصدقاؤه لا يفهمونه، ومتى كان بالإمكان فعل شيء لمن لا يفهمه صديقه، بالمقابل يكثر عدوه؟
والسؤال الآن هو: هل صحيح أن المسلمين ضيعوا القرآن الكريم؟
من المؤكد أننا إن لم نكن قد ضيّعنا القرآن الكريم، فلا شك أننا لم نجده بعد، فالقرآن رسالة، وتأتي أهميته من أنه رسالة من الغني إلى الفقير، ومن الخالق إلى المخلوق، ومن الله إلى الإنسان، وهذه الرسالة تتضمن أسرار الحضارة، ورموز التقدم.
ففي القرآن رموز لمن يريد أن يصبح عملاقاً، ورموز لمن يريد أن يصبح ثرياً، ورموز لمن يريد أن يصبح عالماً، وأخيراً؛ فيه رموز لمن يريد أن يصبح ممن يقول للشيء: كن، فيكون، كما يقول الله للشيء: كن، فيكون.
ولكن هذه الرموز تحتاج إلى من يفككها، ويستعملها، ويمشي على هداها.
فالمطلوب من الإنسان، فك رموز العمل، والتحرك، والنشاط، والفعل، والحياة، بيد أننا بدل ذلك نحاول أن نردد القرآن لفظياً، آية بآية، وكلمة بكلمة، وكأننا بذلك نؤدي كل ما علينا تجاهه.
وهل تنفع الرسالة، إذا اكتفى المرسل إليه بترداد ألفاظه، من غير محاولة لفهمه؟
فلماذا اكتفينا نحن في رسالة الله، الخالق، المصور، المدبر، العليم، الحكيم، بترداد ألفاظه مع أننا نعرف أن أية رسالة عادية من أحدنا إلى الآخر تحتاج إلى محاولة فهم، وليس ترداد الألفاظ؟
وأغرب من ذلك: أننا قد نتخذ القرآن وسيلة تهرب من المسؤوليات. فكل مرة نحاول أن ننعزل من الحياة نبدأ بتلاوة القرآن، وتجويده.
وكل مرة يموت «كبير» من الساسة او أحد رجالات الاقتصاد او المجتمع، نسمع آيات القرآن تصدح من الإذاعات والقنوات الفضائية، حتى أصبح صوت القرآن المنبعث من المذياع دليلاً على أن شخصاً كبيراً قد مات! أي أصبح القرآن «علامة موت»!
ولا أدري: كيف تحول هذا الكتاب وهو رسالة الله لعباده، وعلى أيدينا؛ من كتاب حياة، إلى دليل موت؟!
القرآن، هل أصبح دليل موت؟
كتب أحد الغربيين مرة يقول: «عندما نزلت سورة الحديد على محمد بن عبدالله، ضحك العرب من …