“احتج الى من شئت تكن أسيره”.
من كلام لأمير المؤمنين، عليه السلام، وصدق أمير المؤمنين في هذه الحكمة، وكل كلامه حكم ومواعظ و عِبر لمن يعتبر، والأسير هنا، ربما يأخذ صوراً جديدة غير التي عرفها الماضون في حياتهم بأن يكون الانسان مديناً للأقوى منه من الناحية الاقتصادية، ولذا تأطّر الاكتفاء الذاتي بإنتاج السلع والخدمات مما خلق فهماً اقتصادياً لهذا المصطلح، بينما اليوم نحن أمام فهم جديد للاكتفاء الذاتي ذو طابع صحّي هذه المرة يذكرنا بما نريد إخفائه من الذاكرة، ألا وهو “كوفيد19” و رهاب مرض كورونا المعدي والقاتل الذي قلب أحوال وأوضاع العالم فراح يترنّح تحت وطأة فايروس لا يُرى بالمجهر انطلق كالسهم الناري من جمهورية الصين الشعبية، الدولة الأولى في العالم بالتصنيع والإنتاج الرخيص والجميل.
اليوم تصلنا أنباء من هنا وهناك عن تفشي مرض فايروسي جديد مشابه في بعض أعراضه واستيطانه في الجسم مع “كورونا”، او الفايروس التاجي، فهو أحد اشكال الانفلونزا، أو نزلة البرد، ويُدعى حالياً في الصين بـ”ميتابينوموني”، او حسب الاصطلاح العلمي: ”HMPV” ومن أعراضه؛ الحمّى، والعسال، وصعوبة التنفس، ومن ثمّ الإصابة بإلتهابات في الجهاز التنفسي، وحسب مصادر طبية فان هذا الفايروس ليس من صنع الصين كما أشيع عن “كوفيد19″، وإنما ظهر لأول مرة في هولندا عام 2001، وبشكل محدود ولم يشكل خطراً منذ ذلك التاريخ، بيد أنه بدأ بالانتشار منذ شهر كانون الأول من العام الماضي في الصين بشكل مثير للقلق، كون الالتهاب في الجهاز التنفسي يعرض صاحبه لخطر الموت.
القلق الأول من اخبار كهذه، مع اننا بالضد دائماً من نشر الاخبار ذات التوجه السلبي والتشاؤمي؛ الأشخاص المسافرين الى الصين من العراقيين، ومن الدول المجاورة، لاسيما من رجال الاعمال وأصحاب الورش والمحال التجارية ممن يجدون في الصين البلد المصدّر للسلع الرخيصة، وايضاً؛ لقطع الغيار لمختلف الأجهزة والآلات المستخدمة في مختلف نواحي الحياة، وإذا نستذكر انتشار “كوفيد19” في تلك الأيام الصعبة، نجد أن العدوى التي عمّت بلدنا والبلدان المجاورة، وايضاً العالم بأسره؛ من المسافرين القادمين من الصين.
نحن بحاجة الى خبرات الصين في مشاريع البناء والأجهزة الدقيقة، وإننا بحاجة ايضاً الى الهمّة العالية والحماس والإرادة من الشباب العراقي الغيور لأن ينطلق في مجالات العمل المختلفة في القطاع الخاص ليجرّب حظه مع الإنتاج والابداع
وعليه؛ قبل ان يستحوذ علينا القلق، علينا التفكير بجدّية هذه المرة في أمر الاكتفاء الذاتي، ولو بشكل مرحلي وتدريجي لإنهاء حالة التبعية الاستهلاكية لهذا البلد، مع تأكيدنا على دور “البروباغندا”، او الترويج السلبي لمعلومات غير دقيقة، او مبالغ فيها عن نمط حياة الشعب الصيني، وأنه –مثلاً- يتناول لحوم مختلف اشكال الحيوانات، ولسنا بوارد الخوض في هذا المجال، إنما المهم لدينا الحفاظ على أمننا الصحّي، كما نحرص على أمن حدودنا البرية من اختراق الإرهابيين، وعلى أمننا الثقافي من اختراق الأفكار الدخيلة وغير السليمة، وهذا يتم من خلال التقليل من الاعتماد على السلع الصينية المستوردة.
نعم؛ نحن بحاجة الى خبرات الصين في مشاريع البناء والأجهزة الدقيقة، بيد اننا بحاجة ايضاً الى الهمّة العالية والحماس والإرادة من الشباب العراقي الغيور لأن ينطلق في مجالات العمل المختلفة في القطاع الخاص ليجرّب حظه مع الإنتاج والابداع، وهو بدوره يلفت نظر الحكومة ومؤسسات الدولة ويجبرها على الدعم والمساندة بشكل أو بآخر.
طبعاً؛ الحديث عن الاكتفاء الذاتي كملف اقتصادي يجرنا الى مباحث متفرعة في الاستحقاقات والظروف الموضوعية اللازم توفرها، وأبرزها؛ التعليم، والثقافة الاجتماعية، الى جانب البرامج الحكومية الرصينة والخطط والمناهج المتكاملة، بيد أن كل هذا يستحق العناء للتخلّص من تبعية اقتصادية الى بلد يهددنا بين فترة وأخرى بأوبئة وامراض غريبة.