ثقافة رسالية

دور المسؤولية في مصير الإنسان

قال تعالى: {وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى‏ وَ إِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى‏ حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْ‏ءٌ وَ لَوْ كانَ ذا قُرْبى‏ إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ مَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَ إِلَى اللَّـهِ الْمَصِيرُ}.

الاية بينت ان كل إنسان مسؤول عن عمله وسيجزى به لا غيره، وإن تقاعس فلن يتحمل احد عنه ويتجلى ذلك الأمر في خاتمية حياة الإنسان ونهاية مصيره

 في ظل الصراعات القائمة بين المجتمعات تسري بعض الأفكار في اذهان الكثير من الناس للتخلي عن المسؤولية وإلقاء الكَّل على الآخرين، بداعي بعض التبريرات الواهية، أي ان الآخرين سيتحملون المسؤولية بالنيابة عنهم، والاية الثامنة والثلاثون من سورة المدثر تبين حقيقة يغفل عنها الكثير: {كُلُّ نَفۡسِۭ بِمَا كَسَبَتۡ رَهِینَةٌ}.

أي أن عواقب الأفعال لا تتعدى العامل بها إلى غيره فكل يحاسب بما اكتسب وما جنى على نفسه، فالذي يتخلى عن مسؤليته ويبرر لها بتكاسلهِ وتقاعسه لم ولن يجد من يتحمل عنه ثقل هذه المسؤليته في محكمة العدل الإلهي أي: {لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى}.

وفي مقاطع الآية يتبين لنا الترابط بين اجزائها وانسجام الكلمات فيما بينها، فالآية من  بداية كلماتها والى الآخر، نجد ان الترابط يسود مفرداتها وكان محورها وهو عن مصير الإنسان في الآخرة وأحواله.

ميزة القرآن الكريم عن باقي الكتب البشرية هو الدقة في اختيار الكلمات بحيث لو استبدلت كلمة مكان أخرى لكان الخلل يعتري سياق الكلمات

إن توافق الكلمات وانسجامها ودقة اختيارها تبين حكمة الله وقدرته فالباري بامكانه ان يأتي بكلمات مغايرة لما جاء في هذه الاية إذ هو يستطيع ان يستبدل مكان (تزر)، كلمة قريبة على المعنى أو غيرها من الكلمات مثل (تحمل) الذي  هو المعنى الحقيقي (لتزر).

ميزة القرآن الكريم عن باقي الكتب البشرية هو الدقة في اختيار الكلمات بحيث لو استُبدلت كلمة مكان أخرى لكان الخلل يعتري سياق الكلمات، فكل كلمة وضعت في موضعها المناسب والملائم لوجودها، وهذا الأمر يسري على كل الكلمات التي تحتويها الايات  والأمثلة القرانية.

وبالعودة الى اصل موضوعنا؛ نجد بعض الناس أخذ بالاعتقادات الباطلة التي ترخّص للإنسان ترك المسؤولية والانفتاح على القبائح والموبقات والمعاصي، ويبرر لافعاله بأن أهل البيت، عليهم السلام، سيتحملون عنه ثقل هذه الذنوب و المعاصي بداعي “الشفاعة”.

أو الذين يذهبون وراء التصريحات المسمومة التي تقول: اذنب ما شئت وابكِ على الحسين ولا عليك فهو شفيعك!

فالشفاعة لا ينالها إلا من اختُص بها،  فلا تكون لكل إنسان مدعٍ الحب لأهل البيت بلسانه أو لكل شيعي، بل هنالك موانع تحجب وصول الشفاعة إلى العبد؛ من ضمن الموانع هو تخلي العبد عن مسؤوليته، والاقدام على اقترف المعاصي والاستهانة بالذنوب واستخفافه بحرم الله والموبقات، وبثوابت القضايا الإلهية، ففي ذلك الحال تنتفي الشفاعة لمن يرتكب مثل هذه المخالفات.

الشفاعة لا ينالها إلا من اختُص بها، فلا تكون لكل إنسان مدعٍ الحب لأهل البيت بلسانه أو لكل من يدعي انه شيعي، بل هنالك موانع تحجب الشفاعة من الوصول إلى العبد

ويصل الكلام {وَ لَوْ كانَ ذا قُرْبى}، ففي رواية عن ابن عباس، “أن أما وابنها يأتيان في يوم القيامة وكلا منهما عليه ذنوب كثيرة، وتطلب الام من ابنها أن يحمل عنها بعض تلك المسؤوليات في قبال تربيتها له وحملها به، فيقول لها ابتعدي عني فأنا أسوأ منك حالا”.

فهيبة المنظر في يوم القيامة وانشغال الإنسان بنفسه وبأعماله التي اصبح مرتهنا بها تجعله يتخلى عن كل الأقربين حتى يصل الحال إلى أن {تَذۡهَلُ كُلُّ مُرۡضِعَةٍ عَمَّآ أَرۡضَعَتۡ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمۡلٍ حَمۡلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَٰرَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيد}.

إن لكل إنسان عمله وهو الذي يكون مرتهن به وكل إنسان سوف يحاسب على قدر افعاله واعماله لا يزيد ولا ينقص من عمله شيء، وأن الله ليس بظلام للعبيد، بل هو الغني المتعال وفي محكمة العدل الإلهي لكل فرد جزأه وعلينا كعباد لله ان نتحمل مسؤليتنا وألا نتقاعس ونبرر لتكاسلنا  لان” الْيَوْمَ الْمِضْمَارَ وَغَداً السِّبَاقَ وَالسَّبَقَةُ الْجَنَّةُ وَالْغَايَةُ النَّارُ أَ فَلَا تَائِبٌ مِنْ خَطِيئَتِهِ قَبْلَ مَنِيَّتِهِ أَ لَا عَامِلٌ لِنَفْسِهِ قَبْلَ يَوْمِ بُؤْسِهِ أَلَا وَإِنَّكُمْ فِي أَيَّامِ أَمَلٍ مِنْ وَرَائِهِ أَجَلٌ فَمَنْ عَمِلَ فِي أَيَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ فَقَدْ نَفَعَهُ عَمَلُهُ وَلَمْ يَضْرُرْهُ أَجَلُهُ وَمَنْ قَصَّرَ فِي أَيَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ فَقَدْ خَسِرَ عَمَلُهُ وَضَرَّهُ أَجَلُهُ أَلَا فَاعْمَلُوا فِي الرَّغْبَةِ كَمَا تَعْمَلُونَ فِي الرَّهْبَةِ أَلَا وَإِنِّي لَمْ أَرَ كَالْجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا وَلَا كَالنَّارِ نَامَ هَارِبُهَا أَلَا وَإِنَّهُ مَنْ لَا يَنْفَعُهُ الْحَقُّ يَضُرُّهُ الْبَاطِلُ وَمَنْ لَا يَسْتَقِيمُ بِهِ الْهُدَى يَجُرُّ بِهِ الضَّلَالُ إِلَى الرَّدَى أَلَا وَإِنَّكُمْ قَدْ أُمِرْتُمْ بِالظَّعْنِ وَدُلِلْتُمْ عَلَى الزَّادِ وَإِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اثْنَتَانِ اتِّبَاعُ الْهَوَى وَطُولُ الْأَمَلِ فَتَزَوَّدُوا فِي الدُّنْيَا مِنَ الدُّنْيَا مَا تَحْرُزُونَ بِهِ أَنْفُسَكُمْ غَداً”.

عن المؤلف

حيدر الصالح - طالب في الحوزة العلمية

اترك تعليقا