كانت وقعة الحَرَّة في شهر ذي الحجة سنة ٦٣ هجرية
عندما تستولي النفس الإمارة با السوء على مقاليد الحكم ومصير الامة.فانها لن تتخلى عن السلطة وان كانت التضحيات جسام، لقد تردد قول الزهراء، عليها السلام: “زعموا خوف الفتنة ألا في الفتنة سقطوا”.
تناست الأمة تلك الكلمات حتى جاءت الفتن واحدة تلو الأخرى على المدينة المنورة ومنها (واقعة الحرة ).
الحَرَّة: بفتح الحاء والتشديد الراء بمعنى الأرض ذات الحجارة السود النخرات كأنها أحرقت بالنار والحرة من الأراضي الصلبة الغليظة التي ألبستها حجارة سود نخرة كأنها مطرت، والجمع حرات وحرار، وتسمية وقعة الحرة تعود إلى المجزرة التاريخية التي ارتكبها يزيد بن معاوية في تلك البقعة من المدينة المنورة، حيث إنها تقع بظاهر المدينة.
وقد جرت أحداث هذه الواقعة في ذي الحجة من سنة ثلاث وستين، وهي من الوقائع الشهيرة التي حدثت في عهد يزيد بن معاوية، حين أدرك معاوية انه هالك وميت لا محالة وأن أهل المدينة سيتمردون ويثورون على ابنه وخليته من بعده يزيد بن معاوية، ومساعدة لابنه، واستمرارا للمخطط الرامي إلى تفريغ الأرض من المؤمنين الصادقين أوصى معاوية ابنه يزيد قائلاً: “إن رابك منهم ريب أو انتقض عليك منهم أحد، فعليك بأعور بني مرة، مسلم بن عقبة”.
ولما ثار أهل المدينة بعد موت معاوية دعاه يزيد، وكان مسلم مريضاً، منهوكاً، فعرض عليه قيادة الجيش بناء على وصية ابيه ولما رأى حاله قال له يزيد: (إن شئت أعفيتك)، فجن جنون المجرم وقال ليزيد: نشدتك الله أن لا تحرمني أجرا ساقه الله إليه.
في سنة ٦٣ هـ طلب يزيد بن معاوية من أمير جيشه مسلم بن عقبة المري، أن يزحف نحو المدينة ويأخذ منهم البيعة لأنهم تمردوا بعد واقعة الطف، فقدم المدينة ونزل حرة واقام فيها (إحدى حرتي المدينة، وهي الشرقية، والمدينة تقع بين حرتين) لهذا سبب سميت هذه الواقعة الأليمة.
بواقعة الحرة التي غفل او تغافل المسلمون عنها لانها تفضح الوجة الحقيقي لدولة الأموية الغاصبة.
قراءة في النصوص التي ذكرت وأرخت الحادثة:
النص الأول :ما ذكره ابن الأثير في الكامل، قال: “كان أول وقعة الحرة ما تقدم من خلع يزيد، فبعث إلى مسلم بن عقبة المري وهو الذي سمي مسرفاً وهو: شيخ كبير مريض فاخبره الخبر، أمر مسلما بالمسير إليهم، فنادى في الناس بالتجهز إلى الحجاز وأن يأخذوا عطاءهم ومعونة مائة دينار.
جرت أحداث هذه الواقعة في ذي الحجة من سنة ثلاث وستين، وهي من الوقائع الشهيرة التي حدثت في عهد يزيد بن معاوية
فانتدب لذلك اثنا عشر ألفا، وخرج يزيد يعرضهم وهو متقلد سيفاً، وسار الجيش وعليهم مسلم، فقال له يزيد: ادع القوم ثلاثاً فإن أجابوك وإلا فقاتلهم، فإذا ظهرت عليهم فأبحها ثلاثاً، فكل ما فيها من مال أو دابة أو سلاح أو طعام فهو للجند، فإذا مضت الثلاثة فكف عن الناس.
وقال مسلم بن عقبة: يا أهل الشام قاتلوا. وانهزم الناس، وأباح مسلم المدينة ثلاثاً يقتلون الناس ويأخذون المتاع والأموال، فافزع ذلك مَن بها من الصحابة، ودعا مسلم الناس إلى البيعة ليزيد على أنه خُوّل له يحكم في دمائهم وأمواهم وأهليهم ما شاء فمن امتنع قتله، وكانت وقعة الحرة لليلتين بقين من ذي الحجة سنة ثلاثة وستين .
النص الثاني: ما ذكره اليعقوبي، قال: فلما انتهى الخبر إلى يزيد بن معاوية وجه مسلم بن عقبه فاقدمه من فلسطين وهو مريض، ثم قصَّ عليه القصة، فقال: يا أمير المؤمنين وجهني إليهم فو الله لأدعن أسفلها أعلاها يعني مدينة الرسول، صلى الله عليه وآله. فوجهه إلى المدينة فأوقع بأهلها وقعة الحَرَّة، فلم يبق بها كثير أحد إلا قتل، وأباح حرم رسول الله، صلى الله عليه وآله، حتى ولدت الأبكار لا يعرف من أولدهن ثم أخذ الناس ان يبايعوا على أنهم عبيد يزيد بن معاوية، فكان الرجل من قريش يؤتى به فيقال بايع على إنك عبد قن ليزيد، فيقول: لا، فيضرب عنقه .
النص الثالث: ما ذكره ابن قتيبة في الإمامة والسياسة، قال: فلما أجمع رأي يزيد على إرسال الجيوش فدعا مسلم بن عقبة، فقال له: سر إلى هذه المدينة بهذه الجيوش، فإن صدوك أو قاتلوك فاقتل من ظفرت به منهم وانهبها ثلاثاً.
فقال مسلم بن عقبة: لست بآخذ من كل ما عهدت إلا بحرفين، أقبل من المقبل الطائع واقتل المدبر العاصي.
فقال يزيد: فإذا قدمت المدينة فمن عاقك عن دخولها أو نصب لك الحرب فالسيف السيف أجهز على جريحهم وأقبل على مدبرهم وإياك أن تبقي عليهم.
فمضت الجيوش، وجعل مسلم يقول: من جاء برأس رجل فله كذا وكذا، وجعل يغري قوماً لادين لهم فما تركوا في المنازل من أثاث ولا حلي ولا فراش إلا نقض صوفه حتى الحمام والدجاج كانوا يذبحونها.
النص الرابع: ما ذكره ابن تيمية؛ قال : إنه قتل يوم الحرة من أصحاب النبي، صلى الله عليه واله، ثمانين رجلا ولم يبق بدري بعد ذلك اليوم، ومن قريش والأنصار سبعمئة ومن سائر الناس من الموالي والعرب والتابعين عشرة الاف.
النص الخامس: ما ذكره جلال الدين السيوطي في تاريخ الخلفاء، قال: وفي سنة ثلاث وستين بلغ يزيد أن أهل المدينة خرجوا عليه وخلعوه، فأرسل إليهم جيشاً كثيفاً وأمرهم بقتالهم ثم المسير إلى مكة لقتال ابن الزبير، فجاءوا وكانت وقعة الحرة على باب طيبة.
وما أدراك ما وقعة الحرة ظذكرها الحسن مرة فقال: والله ما كان ينجو منهم أحد، قتل فيها خلق من الصحابة رضي الله عنهم ومن غيرهم، ونهبت المدينة، واقتصر فيها ألف عذراء، فإنا لله وإنا إليه راجعون، قال، صلى الله عليه وآله: من أخاف أهل المدينة أخافه الله وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين”. رواه مسلم .
النص السادس : ما ذكره ابن قتيبة، قال: إن مسلما لما فرغ من قتال أهل المدينة ونهبها كتب إلى يزيد سلام عليك يا أمير المؤمنين، فما صليت الظهر إلا في مسجدهم بعد القتل الذريع والانهاب العظيم، وأتبعنا مدبرهم وأجهزنا على جريجهم وانهبناهم ثلاثاً كما قال أمير المؤمنين أعز الله نصره.
النص السابع: ما نقله سبط بن الجوزي عن المدايني في كتاب الحرة عن الزهري قال: كان القتلى يوم الحرة سبعمائة من وجوه الناس من قريش والأنصار والمهاجرين ووجوه الموالي، وأما من لم يعرف من عبد أو حر أو امرأة فعشرة آلاف، وخاض الناس في الدماء حتى وصلت الدماء إلى قبر رسول الله، صلى الله عليه وآله، وامتلات الروضة والمسجد.
قال مجاهد: التجأ الناس إلى حجرة رسول الله ومنبره والسيف يعمل فيهم، وذكر المدايني عن أبي قرة قال: قال هشام بن حسان ولدت الف امرأة بعد الحرة من غير زوج وغير المدايني يقول عشرة آلاف امرأة.
قال مجاهد: التجأ الناس إلى حجرة رسول الله ومنبره والسيف يعمل فيهم، وذكر المدايني عن أبي قرة قال: قال هشام بن حسان ولدت الف امرأة بعد الحرة من غير زوج وغير المدايني يقول عشرة آلاف امرأة
وروي عن الزهري أنه قال: قال الدينوري والذهبي : قال رأيت أبا سعيد الخدري ولحيته بيضاء، وقد خ. جانباها، ويقي وسطها فقلت: يا أبا سعيد مال لحيتك ؟ فقال : هذا فعل ظلمة أهل الشام يوم الحرة، دخلوا علي بيني، فانتهبوا ما فيه حتى أخذوا قدحي الذي كنت أشرب فيها الماء ثم خرجوا ودخل علي بعدهم عشرة نفر وأنا قائم أصلي، فطلبوا البيت فلم يجدوا فيه شيئا فأسفوا لذلك، فاحتملوني من مصلاي، وضربوا بي الأرض، وأقبل كل رجل منهم على ما يليه من لحيتي فنتفه فما ترى منها خفيفا فهو موضع النتف وما تراه عافيا فهو ما وقع في التراب فلم يصلوا إليه، وسادعها كما ترى حتى أوافي ربي .
هذه بعض النصوص التي ذكرها المؤرخون في شأن واقعة الحرة، ولولا خوف الإطالة للذكرنا الكثير من العظائم التي وقعت في تلك الواقعة، وتلاحظ أن ذلك كان بأمر يزيد بن معاوية، فهو الذي أمر مسلم بن عقبة باباحة المدينة المنورة ثلاثة أيام، وهو الذي أمر بالإجهاز على الجريح ومتابعة المدبر، ومن كانت هذه جرأته على هتك حرمات الله ــ جل وعلا ــ كيف ينتظر منه التحرج من قتل الإمام الحسين بن علي عليه السلام.
وهل استفادة الظالمون في القرن العشرين من ذلكبقصف المراقد المشرفة، وقتل من التجأ اليها وهم يستغيثون،ام لم يقرأوا تلك الافعال؟ بل هو عامل الوراثة هو الذي دفعهم با التأسي بمن سبقهم!
{وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ}.