من حق الشباب أن يقلقوا على مستقبلهم، هذه الجملة كثيرا ما تطرقُ أسماعنا، وتجعلنا نفكر بشكل جدي بمشكلة القلق التي قد تتحول إلى عائق يمنع تقدم الشاب إلى أمام في مواصلة حياته الطبيعية، فهل حقا أن القلق مشكلة تعترض طريق الشباب؟
للقلق أنواع مختلفة، وقد لا نخطئ إذا قلنا أن هناك نوع من القلق يوصَف بأنه إيجابي، فليس جميع أنواع القلق تلحِق بنا الضرر، هناك قلق مشروع ومفيد، وهناك قلق غير مبرَّر وضار، فما هو الفرق بين النوعين من القلق؟
القلق الإيجابي هو الذي يلازم معظم الشباب في مقتبل أعمارهم، فالشاب عندما يدخل معترك الحياة، سوف يبدأ بالتفكير بكيفية تطوير حياته، ومن ثم العمل على ضمان مستقبله، وهذا يتسبب بنوع من القلق الإيجابي عنده، حيث يكون المحفّز له كي يتقدم إلى الأمام، لأن انعدام القلق تجاه الحاضر والمستقبل قد يجعل الشاب في حالة من السكون والكسل وعدم السعي لصنع حاضره المناسب ومستقبله الجيد.
يجب أن يشعر الشاب، والناس عموما، لكن على الأخص في مرحلة الشباب، لابد أن يقلق الإنسان، قلقا إيجابيا على حاضره ومستقبله
أحد المفكرين المهتمين بمشكلة القلق يقول: من الطبيعي أن يشعر الإنسان بالقلق أو بالفزع من حين إلى آخر، أما إذا كان الإحساس بالقلق يتكرر في أحيان متقاربة دون أي سبب حقيقي إلى درجة أنه يعيق مجرى الحياة اليومي الطبيعي فالمرجح أن هذا الإنسان يعاني من اضطراب القلق، هذا الاضطراب يُسبب القلق الزائد وغير الواقعي وشعورًا بالخوف، وهو يفوق ما يمكن اعتباره رد فعل طبيعيًا على حالة معينة.
هذا الكلام يتيح لنا القدرة على التمييز بين القلق الطبيعي والقلق الضار أو المبالَغ به، فهناك قلق يجعل من حياة الإنسان شاقة متعبة وتعيسة في نفس الوقت، هذا هو القلق غير المرغوب به، وهو الذي يتطلب من الشخص أن يقضي عليه بشكل سريع حتى لا تصبح حياته ملعبا للقلق، وحتى لا يبقى عرضة لهذا الداء الذي سمّاه البعض بداء العصر.
ولكن في كل الأحوال يجب أن يشعر الشاب، والناس عموما، لكن على الأخص في مرحلة الشباب، لابد أن يقلق الإنسان، قلقا إيجابيا على حاضره ومستقبله، وهذا القلق الإيجابي يحثنا عليه كثيرون بدءا من الآباء وليس انتهاءً بالمعلمين، لأنه قلق تحفيزي، يدفع بالشاب نحو البحث عن سبل جديدة ومتواصلة لتطوير حياته وتجديدها.
إذًا هنالك قلق يساهم في عملية بناء الحاضر والتخطيط للمستقبل، وهذا هو القلق المقبول، بحيث لا يتحول إلى قلق مزمن معيق للشباب، ويمنع تحركهم نحو برامج تنمّي شخصياتهم وأفكارهم وتستوعب طموحاتهم وتطلعاتهم، لأن القلق السلبي هو نوع من الأمراض التي تعرقل مسيرة الشباب إلى أمام، لهذا يجب على كل شاب أن يفهم أولا ما هو القلق، وأن يفرّق بين أنواعه ونتائجه، وأن يبتعد ويحذر من القلق السلبي.
كذلك على كل شاب أن لا يركن إلى السكون والكسل، ويكفّ عن التفكير بحاضره ومستقبله، هذه الحالة قد تصيب الشاب عندما يغادره القلق الإيجابي، وفي هذه الحالة لابد من وضع برنامج تطويري واضح ينطوي على خطوات أو خارطة عمل تبيّن للشاب ما هي الخطوات العملية التي يجب أن يسير عليها تثبيتا لأركان حاضره، مع أهمية وضع البدائل المستقبلية التي ترتقي به إلى مستويات جيدة من العيش.
على كل شاب أن لا يركن إلى السكون والكسل، ويكفّ عن التفكير بحاضره ومستقبله، هذه الحالة قد تصيب الشاب عندما يغادره القلق الإيجابي
وبقدر حاجة الشاب إلى القلق الإيجابي كونه المحرس الأساس لبناء الحاضر والمستقبل، لكن الشاب عليه أن يكون أكثر حذرا من القلق الآخر، وهو القلق الذي يدفع به إلى حافة اليأس، ومن ثم يأخذ به إلى دائرة التكاسل والخمول والضياع في المقاهي وقتل الفراغ في أعمال ومجالات محذورة يُخشى عليها منها كونها تقوده صوب الانحدار الأخلاقي المريب.
فهناك كثير من الشباب تعرض بسبب القلق السلبي إلى آفة الكسل، ومن ثم لاذ بالخمول، وراح يهدر أوقاته في الكازينوهات، أو يغط في عزلة قاتلة قد تقوده إلى الانتحار كما حدث في مجتمعات الغرب، ومن ثم انتقل إلى بعض المجتمعات الشرقية، كل هذا ما كان له أن يحدث لو أن الشاب تمكن من التفريق بين القلق الإيجابي والقلق السلبي.
لهذا مطلوب من الشباب ونحن منهم، التمسك بالقلق الجيد المفيد التحفيزي، الذي يدفع بنا إلى استثمار القلق لتطوير حياتنا حاضرا ومستقبلا، من خلال التنافس الإيجابي بين الشباب أنفسهم، فحين ترى نجاح قرينك في حياته، عليك أن تقلق قلقا إيجابيا كي لا يسبقك كثيرا في طريق التطور والتقدم، وهذا القلق الإيجابي يحتّم عليك اللحاق بقرينك فورا.