ما جرت عليه العادة المتوارثة وطبيعة خلق الله أن المرأة بطبعها ميّالة لحب الزينة والتجمل وحب المظهر، و ان تبدو أجمل من غيرها، وكذا حب التميّز، والرغبة في اقتناء كل ما هو جميل و أنيق و زاهٍ.
ولكل زمان منذ بدأ الخليقة ادواته الخاصة، فقد اشتهرت النساء السومريات، والبابليات ونساء تعاقبت عليها العصور بالزينة و الجمال .
فالاهتمام بالجمال والأناقة غريزة في داخل كيان المرأة، لذا نجد كل امرأة تهتم بشكلها وجمالها الظاهري.
هذا في حالة الوضع الطبيعي العام والمتعارف والمفروض ان يكون داخل إطار البيت و ان لا يكون عرضة لنظر الأجنبي، أي كما قال الله –تعالى- في سورة النور التي حدّد فيها الارحام والأقارب ممن يجوز للمرأة ان تظهر زينتها أمامهم: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ}
وفي هذه الآية دليل قاطع على من هم الذين أجاز الله ــ تعالى ــ أن تبدي المرأة زينتها أمامهم ومن هم الذين لهم حق النظر إليها.
هوسٌ في غير محله
لكن عندما يتحول هذا العمل إلى هوس تدريجي، يصبح موضوعاً مقلقاً، ويتحول إلى مرض، وذلك من خلال التردد المبالغ فيه على مراكز التجميل وأطباء التجميل بشكل كبير من أجل تغيير شبه جذري من الشكل و الملامح، لتتحول إلى امرأة أخرى بدلاً من جمالها الفطري والطبيعي .
يفضل الرجل المرأة الواعية التي تثق بنفسها وافكارها واتزانها في المواقف والقرارات
لم يخلق الله ــ سبحانه وتعالى ــ امرأةً دون أن يضع فيها مسحة من الجمال، ويهيئ لها من يحبها ويعجب بها لتكون أماً مستقبلية، وللأسف هذا الاندفاع من النساء أصبح بعيدا عن حدود الله فيما أحله، وما حرمه و أجاز به.
ولم ترجع اغلب نسائنا إلى القدوة الحقيقية في الجمال، وهي السيدة الزهراء، عليها السلام، وهي أصل الجمال الحقيقي الذي يتمثل بجملة أمور يبحث عنها الرجل في المرأة التي يختارها شريكة ومؤتمنة على بيته وأولاده، من تلك الأمور:
أولا: قوة الشخصية
يفضل الرجل المرأةَ الواعيةَ التي تثق بنفسها وافكارها واتزانها في المواقف والقرارات.
ثانياً: الحياء
كثير من الرجال، والاغلب يرغبون بالمرأة الخجولة الورعة التي يزين محياها الحياء، فربما يجامل، و يصادق، و يلهو، ويتعدد في علاقاته، لكنه يركن لمن يجد فيها صفات الحياء والحشمة والوقار.
ثالثاً: الحكمة
الرجال اغلبهم ميالون لمن تجاريهم في الفكر والعقل والرأي ويلمسون فيها قوة الشخصية مع الاحتفاظ بمبادئها، لأنه يجد فيها الأمان والثقة حاضرا أو غائبا.
رابعاً: الطبيعة والعفوية
أغلب الرجال يرغب بالمرأة التي تتمتع بجمالها الطبيعي العفوي.
ومن خلال تجارب الحياة أصبح الشيء الملموس أن اهل الشاب اثناء الخطبة لا يرغبون بفتاة متبرجة تخفي ملامحها الحقيقية، بحجة انهم لم يستطيعوا ان يميزوا إن كان هذا جمالها طبيعي او مصطنع، فظهور الفتاة بطبيعتها دون تكلف أو ميكب هو الكفة الرابحة للاختيار لتكون زوجة وشريكة .
كما أن التساؤلات هنا إذا كانت لازلت فتاة بهذا التبرج، فكيف إذا أصبحت متزوجة؟ فمهما تقدمت بنا سبل الحضارة الدخيلة، نحن مجتمع مسلم يميل الى التحفظ والجمال والسمعة والأخلاق أولاً.
سبب تحول الاهتمام بالجمال إلى مرض وهوس؟
يقول خبراء علم النفس: إن هناك أسباب كثيرة ضاع فيها الجمال الطبيعي، وهي من أجل تقليد نجوم ومشاهير التواصل الاجتماعي، والرغبة القوية في تغيير المظهر الخارجي لكي تظهر مع اتجاهات الموضة التي غالباً ما يُروج لها عن طريق المشاهير.
وهنا يأتي التجميل التسويقي والسياسة لهذا الموضوع بشكل تدريجي، ليتحول إلى أمر طبيعي ثم النزعة نحو التقليد والمحاكاة، فأصبحت الكثير من الحالات تشبه بعضها في الشكل والملامح، أو من أجل تسليط الأضواء من باب “خالف تُعرف” لغايات معينة، ثم انعدام الثقة بالنفس، فأن أكثر البحوث تأكد أن النساء التي لا تستخدم مساحيق التجميل عند خروجها من البيت هي أكثر النساء ثقة بنفسها .
علاوة على ذلك عندما يفقد الإنسان هدفه في الحياة، فإن ذلك يسبب فراغا ومللا، يدعوه للجوء إلى عوامل أخرى يملأ بها وقت فراغه، وضياعه الذهني وفراغه المهني.
محاولات للحد من هذه الظاهرة
تتحمل التوعية بهذا الموضوع مسؤولية المجتمع بمؤسساته المختلفة، ابتداءً بالمؤسسة الصغيرة وهي الأسرة، والام، وعلى الزوج أن لا يُساق تدريجيا لهذا المرض حسب ما تمليه رغبات الزوجة.
عندما يفقد الإنسان هدفه في الحياة، فإن ذلك يسبب فراغا ومللا، يدعوه للجوء إلى عوامل أخرى يملأ بها وقت فراغه، وضياعه الذهني وفراغه المهني
وايضاً، المؤسسة الدينية عليها ان تعطي مساحةً كبيرة في توضيح القضية وخطورتها دينيا واخلاقيا ونفسيا، الى جانب وسائل الإعلام، وشبكات التواصل الاجتماعي التي يمكن أن تكون جزءًا منها، من خلال تسليط الضوء على أضرار عمليات التجميل.
و كذلك من خلال المؤسسات الإنسانية الأخرى التي يجب أن تعمل على تنظيم ورش ودورات تنمية وندوات ثقافية، تركز على هذا الجانب السلبي الذي يهدم بناء المرأة وأصبح يهدد المجتمع أخلاقيا، ودينيا، واقتصاديا، لما يؤثر على دخل الاسرة في ضياع وهدر المالي الذي ممكن يدخل في جوانب أخرى نافعة لحياة الأسرة.
كلمة أخيرة
وأخيرا لكل امرأة أقول: كوني مميزةً بجمالك الفطري العفوي، و ارفعي من ثقتك بنفسك، ولا تجعلي هذا الهوس يدمر ملامح وجهك الجميل الذي أراد الله أن يكون زينة، لمن أحل له الزينة وهو زوجك وشريك حياتك، وتكوني خير مثال وقدوة لبناتك ومن أراد الله بها توفيقا إلى الهدى من خلالك.