ثقافة رسالية

كيف تكون الصلاة في ارض المعركة؟

تُعد إقامة الصلاة شرطا لتولي اولياء الله، ومعاداة لاعداء الله، فمن تولى المؤمنين كان ولياً لهم، وجاء هذا الشرط بعد …

تُعد إقامة الصلاة شرطا لتولي اولياء الله، ومعاداة لاعداء الله، فمن تولى المؤمنين كان ولياً لهم، وجاء هذا الشرط بعد الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ولذا جاءت آيات الذكر صريحة بهذا المعنى {الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}، وأهل البيت عليهم السلام، هم تجسيد حقيقي للولاية لله، فإن توليَنا لله انما هو امتداد عبر ائمة الهدى صلوات الله عليهم.
الامام الحسين عليه السلام، هو احد اولياء الله الذين نُدين لهم بالولاية والخلافة علينا، ولهذا فإن ارتباطنا به، يكون عبر الاعمال التي يؤديها المؤمنون، ومن هذه الاعمال التي تربطنا بهم، هو اداء الصلاة واقامتها على وجهها الصحيح، وقد يطرح البعض تساؤلاً ،ما هو الفرق بين اداء الصلاة وبين إقامتها؟
وهل مَن يؤدي الصلاة فقد اقامها؟
الاجابة على ذلك جاءت في زيارة الامام الحسين عليه السلام، التي جاءت في الزيارات المعتبرة للامام عليه السلام التي يقول نصها {أشْهَدُ اَنَّكَ قَدْ اَقَمْتَ الصَّلاةَ}.
إن اداء الصلاة هو بمعنى الاتيان باعمال الصلاة، كالوقوف وقراءة السور، والركوع والسجود .. الخ، وهذا الاداء يبقى شكليا إن لم يؤدِ الى الاهداف التي جُعلت للصلاة، كالامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وترك المنكر والفحشاء، لكن إقامة الصلاة هي مهمة كبيرة اضطلع بها الانبياء والاولياء، فمن معانيها الاتيان بحدودها وهي من اصعب المصاعب، وأشق المشاق، ذلك ان هناك اربعة الآف حد للصلاة فاذا اتى بها الانسان كان حقا ممن اقام الصلاة، كحضور القلب في جميع اللحظات والسكنات،وفي جميع الحركات، والاقوال، وعدم شرود الذهن هنا او هناك، وحضور القلب يبدأ من أول لحظات الوضوء الى آخر الصلاة.
تُعد الصلاة من شعائر الله التي تختصر القيم الثابتة في حياة المجتمع المؤمن، كالصدق، والوفاء، والامانة، والتعاون، والتكافل، وهي إطار للمتغيرات التي تطرأ على المجتمع المؤمن، ولهذا فالصلاة استجابة نابعة من صميم التسليم لاوامر الله تعالى، وهذا مصداق لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ}، فإقامة الصلاة استجابة لله في الالتزام بما أمر، والاجتناب عما نهى، فمن يصلي لا يمكن أن يظلم أحداً، ومن يصلي لايمكن أن يأكل الحرام، وأن يغتاب.
المعنى الاخر لاقامة الصلاة: هو اقامتها على المستوى الاجتماعي والمحافظة عليها من الاندراس والاندثار، واقامة الصلاة على هذا المعنى هو نشر الثقافة الحقيقة للصلاة، ولهذا فإن الامام الحسين عليه السلام، ضحى بنفسه واهله حتى تقام الصلاة على حقيقتها وغايتها التي فُرضت من أجلها {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَر}.
هل المحافظة على الصلاة أمر صعب؟
في عصر يوم التاسع من محرم سنة 61هـ أمر الإمام الحسين (عليه السلام) أخاه العباس أن يطلب من الجيش الأموي تأخير المعركة من ليلة عاشوراء إلى يومها وذلك للتفرغ للعبادة والصلاة والدعاء والاستغفار، وقام الحسين واصحابه بالصلاة والتهجد طوال الليل، فعندما ننظر الى مثل هذه الحالة، فعلا على الانسان المتهاون غي صلاته او القاطع لها، ان يستحي من نفسه، فهذا الامام يطلب تأخير المعركة لمدة ليلة واحدة لاجل العبادة، وفي مقدمتها الصلاة، ويعيش الكثير منا في حالة أمن واطمئنان، فلا الاعداء يحيطون به، ولا هو مهدد بالجوع والعطش، ومع كل هذه النِعم التي يتقلب فيها، إلا انه متهاون في صلاته او قاطع لها.
إنّ زيارة الامام الحسين عليه السلام، داعيةٌ الى الصلاة، لانك حين تقف امام ضريحه، فإنك ستقرأ بين سطور الزيارة {أشْهَدُ اَنَّكَ قَدْ اَقَمْتَ الصَّلاةَ}، وسيتبادر الى ذهنك كيف أن الحسين واهل بيته واصحابه، صلّوا ظهر يوم عاشوراء والسهام والنبال تتراشق عليهم كوابل المطر، وقد ضحى الامام عليه السلام بأحد اصحابه في سبيل إقامة آخر صلاة له من حياته المباركة.
فلا عذر لنا أمام الله تعالى، ونحن نرى أئمتنا يؤدون اعمالهم العبادية في ظروف استثنائية ليست بالسهلة، هذا الامام علي عليه السلام، وفي معركة صفين وفي ليلة اسمها ليلة الهرير، التحم الجيش العلوي مع الجيش الاموي التحاما شديداً، حتى أن سيف الامام اعوج، ومع تطاير الرؤوس والايدي ،قام الامام للصلاة، فقالوا له اصحابه: أهو وقت الصلاة الان، فقال الامام: اذن على ما نقاتلهم؟
إن قراءة سيرة أهل البيت ومطالعتها كفيلٌ بأن يُستلهم منها الدروس والعِبرة في حياتنا العبادية، وعلينا أيضا ان نستذكر نعم الله عليه، فنشكره عليها، والصلاة هي احدى الوسائل التعبيرية العملية عن شكر الانسان لمنعِمه وخالقه، ولنقم الصلاة كما ارادها الامام الحسين عليه السلام، لان اقامتها تحمل الفرد مسؤولية تجاه نفسه اولاً، وتجاه مجتمعه، ثم الأولى فالأولى.

عن المؤلف

أبو طالب اليماني

اترك تعليقا