نعيش هذه الأيام ذكرى استشهاد الإمام الحسين،عليه السلام، سليل العلم المحمدي العلوي، وثائر كربلاء الخالد، والمدرسة العظيمة التي علّمت أجيالا بعد أجيال على سبل العيش السديد، ودخل في هذا المدرسة أجيال متلاحقة من الشباب الحسيني، فتعلموا في هذه المدرسة ثقافة عاشوراء ومبادئ الفكر الحسيني، ومنها ثقافة العمل الطوعي في المواكب الحسينية، حيث يعمل آلاف الشباب في تقديم الخدمات المختلفة للزائرين الكرام بدءا من الإطعام والمنام والراحة وكل الخدمات المهمة التي يحتاجها الزائر الكريم.
ثقافة العمل الطوعي تعني أن يعمل الشاب أو الإنسان بشكل عام في خدمة الآخرين بلا مقابل، كأن يسهم في بناء مجمعات سكنية أو بناء مدارس أو بناء مساكن للفقراء أو أي عمل جماعي آخر يقدم خدمة معينة يحتاجها الآخرون، وبالإمكان أن تُبنى مدن وبلدان بهذه الطريقة المستحدثة في عالم اليوم، علما أننا في كربلاء المقدسة وفي العراق، قمنا بمثل هذه الأنشطة منذ أزمنة بعيدة، حيث كان الزائرون يتدفقون إلى كربلاء الثورة والإيمان، فيقوم الشباب الحسينيون بخدمة هؤلاء الزائرين على مدار الساعة في عمل طوعي متواصل.
⭐ ثقافة العمل الطوعي تعني أن يعمل الشاب أو الإنسان بشكل عام في خدمة الآخرين بلا مقابل، كأن يسهم في بناء مجمعات سكنية أو بناء مدارس أو بناء مساكن للفقراء أو أي عمل جماعي آخر يقدم خدمة معينة يحتاجها الآخرون
مثل هذه الأعمال وإن كانت ذات بعد ديني أو مذهبي، إلا أنها تدخل في إطار العمل الطوعي الجماعي، وتساعد الناس على الاستمرار في تقديم الأعمال الجيدة دون مقابل مادي، أما بالنسبة للخدمة الطوعية في المواكب الحسينية، فإنها تعد من العوامل المساعدة على نشر هذا النوع من الثقافة، وتسهم في بناء شخصية حسينية ملتزمة، مثلما تُسهم في تمتين وتقوية بنية اجتماعية تقوم على التعاون والتكافل والتعاون الطوعي المتبادَل.
لو أتينا إلى واقعنا اليوم، يمكننا أن نعثر على هذا النوع من الأعمال الطوعية، وقد عشناها بالفعل في أوقات معروفة، حيث قام أعداد من الشباب في حملات عمل مختلفة، منها حملات تنظيف شوارع ومدن، وحملات ترميم مدارس وبنايات عامة، وتنظيف حدائق، أو زراعة ملايين الأشجار، وكذلك هناك حملات لمساعدة الفقراء في الجوانب المادية بوجه خاص.
من التجارب الجيدة في هذا المجال هو إقدام الكثير من الشباب في الانخراط بالعمل الحسيني الطوعي، حيث يستمر الشباب بالعمل في هذه المواكب على مدار الساعة دون ملل أو كلل، وهذا ما يرسخ هذه الثقافة ويساعد في نشرها بين الناس ويجعل منها ثقافة سائدة في المجتمع، وهو ما يحدث بالفعل في مثل هذه المناسبة التي نعيشها اليوم وهي زيارة العاشر من محرم، زيارة استشهاد الإمام الحسين، عليه السلام.
الأمم والشعوب الذكية تسعى لاستثمار كل الفرص من أجل الاستفادة من ثقافة العمل الطوعي، ونحن اليوم كشباب ننتمي إلى أرض الأنبياء والأئمة الطاهرين (عليهم السلام)، وفي كربلاء المقدسة بشكل خاص، نسعى بجدّ وبكل ما نمتلك من إمكانيات مادية ومعنوية وإيمانية، أن نرسّخ هذه الثقافة وننشرها ونستثمرها لنا وللصالح العام، لاسيما أن الكثير من الأمم نجحت باستثمار هذه الثقافة في البناء الاجتماعي والعملي والأخلاقي.
⭐ أكدت دراسات كثيرة وموثقة بأن ثقافة العمل الطوعي استطاعت أن تنهض بدول وشعوب كثيرة، وبعضها كانت تعاني من الفقر والجهل والتراجع الاقتصادي، بل وحتى السياسي
وقد أكدت دراسات كثيرة وموثقة بأن ثقافة العمل الطوعي استطاعت أن تنهض بدول وشعوب كثيرة، وبعضها كانت تعاني من الفقر والجهل والتراجع الاقتصادي، بل وحتى السياسي، ومن هذه الدول الفقيرة على سبيل المثال بنغلادش، حيث حاولت هذه الدولة الفقير أن تجرب ثقافة العمل الطوعي، ونجحت فيها، وطورت مشاريع صغيرة في الجانب الاقتصادي، وكان التعاون المتبادل بين الشباب طريقا لتطوير هذه التجربة والمضي قُدُما في النهوض الاجتماعي والاقتصادي وحتى السياسي.
اليوم نحن في كربلاء المقدسة وفي العراق بشكل عام، بل وفي كل الدول الإسلامية، لابد أن نوظف الملحمة الحسينية، وثقافة عاشوراء بكل أبعادها، ومنها بعد (العمل الجماعي الطوعي)، وتعميم هذه الثقافة بين الشباب على وجه خاص، وبين عموم الناس على المبادرة الطوعية في تقديم كل ما يمكن تقديمه لزوار أبي عبد الله الحسين، عليه السلام، لاسيما أن الزيارة تستمر طيلة شهر محرّم وصفر وصولا إلى زيارة الأربعين المباركة.
لا يزال أمامنا كشباب حسيني المزيد من الوقت، والكثير من الفرص، على أن نواصل التخطيط للعمل الطوعي الجماعي، خصوصا في المواكب الحسينية، وفي أي مجال خدمي طوعي آخر، حتى نجعل من هذه الثقافة مشاعة بين الجميع، وقد لاحظنا بشكل واضح إقبال الجميع على هذه الخدمة. ولابد أننا شاهدنا الشوارع والساحات وأبواب البيوت بل وحتى الأطفال وهم يعرضون خدماتهم للزوار الكرام، وتعليم الأطفال على هذه الخدمة الطوعة خطوة جيدة جدا وهي في الاتجاه الصحيح ضمن قانون (خذوهم صغارا) و (التعلّم في الصغر كالنقش على الحجر)، نعم نحن نعيش ذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، لكننا في نفس الوقت نسعى كي نستثمر هذه الزيارة وثقافة عاشوراء والاستفادة منها في تنظيم وتطوير حياتنا والارتقاء بها نحو الأفضل.