مكارم الأخلاق

سلسلة أخلاقيات العمل .. الإتقان والعمل

في تعريفنا لمفردة الإتقان، فهي تعني بشكل عام جودة العمل، أو تجويده، أتقن عمله، أي أنجزه بالصورة الصحيحة، والإتقان صفة من صفات العمل الناجح، وتعد من أخلاقيات العمل، وأي ضعف في درجة إتقان العمل سوف يتعرض للاختلال والضعف، وينعكس هذا الاختلال على قيمة العمل ودرجة تقييمه، وبالتالي يُنظَر له كعمل غير متكامل.

الإتقان والعمل صنوان متلازمان، أو هكذا يجب أن تكون العلاقة بينهما، فأي غياب لأحدهما يعني غيابا للآخر، فإذا غاب الإتقان في العمل، لا تبقى أية قيمة لمنتَج هذا العمل، فلو افترضنا إنتاج سلع استهلاكية معينة وطرحها في سوق البيع، فإن درجة إتقانها هي الداعم الأقوى لها، وهو المروِّج الأهم لهذه السلعة بين الناس، فيكون الاقبال عليها كبيرا بسبب ميزة الإتقان التي تتحلى بها هذه السلعة.

⭐ الإتقان والعمل صنوان متلازمان، أو هكذا يجب أن تكون العلاقة بينهما، فأي غياب لأحدهما يعني غيابا للآخر

هنالك أساليب إنتاجية مختلفة بين دولة وأخرى، أو بين شركة وأخرى، فمنها من يركّز على عملية الإتقان مع ارتفاع نسبي في قيمة السلعة، وهناك نوع آخر من الإنتاج هو تقليل نسبة الإتقان يرافقها تقليل في السعر، ولكن يبقى عنصر الإتقان من العوامل المهمة لتسويق وترويج السلع المنتجة، ويبقى أيضا قلة الاتقان سبب أساسي في عزوف الناس والزبائن عن شراء السلع ذات الاتقان الأقل حتى لو كانت أسعارها مناسبة.

لقد شَيّدت اليابان صناعتها على أساس عنصر الإتقان، وأسست لهذا النوع من الصناعة، وبرعت براعة كبيرة في إنتاج السلع المختلفة الخدمية أو سواها، فلو أننا بحثنا في قطاع صناعة السيارات في اليابان، سوف نجد أن لها سجلّا حافلا بالسمعة الاقتصادية المتميزة، وكذلك الأمر بالنسبة للسلع الأخرى التي تقدم الخدمات المختلفة للإنسان، مثل قطع التبريد بأشكاله المتعددة، والثلاجات، والمبردات، وأجهزة التكييف، والمعدات الصناعية الخدمية المختلفة، هذه الصناعات اليابانية قامت على عنصر الإتقان وبرعت فيها، ويعد عنصر الإتقان في الصناعة اليابانية من أهم الأركان الأخلاقية التي دعمت هذه الصناعة.

في المقابل هنالك صناعات أقل جودة وأقل سعراً في نفس الوقت، كما نلاحظ ذلك في الصناعات الصينية، فهي سلع أقل إتقانا، وفي نفس الوقت يتم عرضها في الأسواق بأسعار متهاودة، ولكن هذا لا يشفع للصناعة الصينية، ولو تمت المقارنة بين الصناعتين اليابانية والصينية، وتم عمل استفتاء حول تفضيل أي منهما على الأخرى، لوجدنا الناس الذين تم استفتائهم يفضلون الصناعة اليابانية بفارق كبير على الصناعة الصينية.

الجانب الأخلاقي في ملازمة الإتقان للعمل هو الأهم، وهذا ينطبق على الصناعات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، بل ينطبق حتى على المهن الصغير، الفردية أو الجماعية، فصاحب الدكان عندما يقوم ببيع سلع متقنة في صناعتها، فإن الناس تثق به وتتعامل معه بشكل دائم ومستمر، بل تربط هذا السلوك بأخلاق صاحب الدكان وتنظر إليه على أنه أمين وصاحب أخلاق إنسانية عالية وتستمر في التعامل معه.

بمعنى أن الإتقان قد يكون أخلاقيا أيضا، وليس إنتاجيا فقط، فالبائع إذا كان خلوقا في سلوكه وفي تعاملات البيع والشراء، فهذا السلوك سوف يجلب له زبائن ومشترين أكثر من غيره، وهنا سوف تكون التعاملات الأخلاقية عاملا دائما للإتقان الإنتاجي، أي أن السمعة سوف تكون مزدوجة، تجمع بين حسن التعامل وجودة السلع المعروضة.

⭐ الجانب الأخلاقي في ملازمة الإتقان للعمل هو الأهم، وهذا ينطبق على الصناعات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، بل ينطبق حتى على المهن الصغير، الفردية أو الجماعية

قد يكون هناك بائع جيد في أخلاقه، لكنه يبيع سلعا لا تكتسب الجودة العالية، هنا سوف يحدث نوع من الاختلال في العلاقة بين البائع والمشتري، إلا في حالة واحدة، وهي شفافية البيع، أي أن صاحب المتجر أو الدكان يعلن للزبائن مسبقا عن مواصفات السلع التي يبيعها، ويعلن لهم عن قلة إتقانها بسبب قلة ثمنها، وهنا سوف يكون المشتري مخيّرا في عملية الشراء من عدمه، والمهم في الأمر أن البائع كان صادقا معه.

وفي كل الأحوال تبقى ميزة الإتقان من أهم أخلاقيات العمل، والصناعات بشكل عام، أما إذا رغب الزبون بسعر أقل ومواصفات أقل، فهذا الشأن يعود له، ولا يؤثر في عمليات البيع والشراء طالما كانت الشفافية حاضرة في العرض والطلب، ولكن على المدى البعيد، يبقى شرط الإتقان شرطا في تحسين عمليات البيع وتوسيعها، كما أن الإتقان يحقق السمعة الجيدة لهذه السلعة أو تلك ولهذه الصناعة أو تلك كما هو الحال بالنسبة للصناعة اليابانية.

وأخيرا لو أننا أجرينا مقارنة بين أفضلية الجمع بين الاتقان والانتاج، وبين قلة الجودة والانتاج، فإننا سوف نلمس تفوقا في الاقبال على السلع المصنوعة بإتقان أكثر من تلك المصنوعة بإتقان أقل حتى لو كانت أسعارها أقل، لهذا يدخل الإتقان من ضمن الأخلاقيات المهمة التي تدعم الانتاج وتطوره وتجعله ناجحا بشكل مستدام.

عن المؤلف

حسين علي حسين/ ماجستير إدارة أعمال

اترك تعليقا