أسوة حسنة

الإمام الصادق ومدرسة الدليل العلمي

الفترات التاريخية من ٨٣ إلى ١٤٨هجرية، عاشها الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام، وثار في أيامه عمه زيد بن علي بن الحسين ع سنة ١٢١هجرية، وهي أول ثورة هاشمية طالبت  بالثأر للإمام الحسين، عليه السلام.

 كان، الإمام الصادق سادس أئمة اهل البيت، عليهم السلام استاذ أئمة المذاهب كلها في كل شي لاسيما، الفقه، التفسير، الكلام، العربية، وكأنه قمة من القمم الإنسانية ومفخرة من مفاخر المسلمين عبر العصور، وكان لهذا الإمام أدواراً مختلفة في حياة الأمة الإسلامية والمسلمين بشكل عام.

 تمتع الإمام الصادق، عليه السلام، بحرية نسبية استثمرها في تدريس مختلف الجوانب العلمية والمعرفة الاسلامية، بعد أن بدأت فصائل العباسيين تتحرك باسم اهل البيت، عليهم السلام، وتدعوا إلى الرضا من ال محمد وآله وسلم، انسحب الإمام الصادق، عليه السلام، من المواجهة المكشوفة ولم تنطلِ عليه الشعارات  التي كان يستخدمها بنو العباس للوصول إلى الحكم  بعد سقوط بني امية الذين ازداد ظلمهم  وعتوهم وارهابهم وتعاظمت نقمة الأمة عليهم.

 عاصر الإمام الصادق، عليه السلام، السفاح العباسي وشطراً من حكم المنصور الدوانيقي بما يقرب عشر سنوات انصرف خلالها عن الصراع السياسي المكشوف إلى بناء الأمة علمياً، وفكريا، وعقائديا واخلاقيا، بناءً يضمن سلامة الخط الإسلامي الأصيل على المدى البعيد على الرغم من استمرار الانحرافات السياسية والفكرية في اوساط المجتمع  الإسلامي نتيجة  انفتاحه على ثقافات الأمم الأخرى من عادات وتقاليد وعلوم.

⭐ تمتع الإمام الصادق، عليه السلام، بحرية نسبية استثمرها في تدريس مختلف الجوانب العلمية والمعرفة الاسلامية

كانت مدرسته متفتحةً على التيارات والمذاهب الأخرى، إلا أن مدرسته تفوقت عن غيرها في عصره بحرية الرأي والبحث، وكان سببا لانتشار العلوم والمعارف، كانت متفتحة أمام الملحدين والزنادقة، كان، عليه السلام، قوياً في حجته هادئاً في اسلوبه الإنساني، وكان يرى ان الإسلام هو خط الله الوحيد  في الحياة لا يُلغي الاخر، سئل الإمام الصادق، عليه السلام عن القرآن و الفرقان هل هما شييان ام شي واحد؟ فقال  عليه السلام: “القرآن جملة الكتاب والفرقان المحكم الواجب العمل به”.

التزمت مدرسته بالمنهج العلمي والعطاء، كان عليه السلام يقول: “اطلبوا العلم فأنه السبب بينكم وبين الله”، وبالتالي فأنه قدّم  إلى الإنسانية مدرسة متكاملة راسخة علمية كاملة من جميع الجوانب.

المشكلة التي عاشها اهل البيت، عليهم السلام، هي الحصار السياسي والثقافي و الجسدي كما هو واضح في حركة كل إمام، وهذا ما قلّص المساحة التي يتحرك بها الإمام، لذا لا نجد في تراث الكثير من الائمة الأطهار السعة والشمولية بالمعنى الذي ينفتح منه الإمام على عصره بشكل كلي.

  • المنهج العلمي والعطاءي في مدرسة الأمام الصادق عليه السلام

أدرك الإمام الصادق، عليه السلام، ان العلم والمعرفة أنجح وسيلة ليكشف النسان ذاته، وما يحيط به من الموجودات معرفتها والسيطرة عليها، خصوصا وقد ورث هذه الصفات عن ابيه الباقر، عليه السلام، الذي تبحر في العلوم حتى لقب بالباقر، لأنه بقر العلم بقرا، اي شقه شقا، واظهره إظهارا.

  • مرحلة تجديد الفكر الإسلامي وتاصيله

 في مجال العلم والتعلم كان له دوراً كبيراً في تربية الشيعة، وكان، عليه السلام، صاحب المدرسة العلمية الكبرى التي لم يشهد التاريخ الإسلامي مثيلا لها، فقد ضمت بين جنباتها اكثر من أربعة آلاف طالب  كل يقول: “حدثني جعفر بن محمد الصادق عليه السلام”.

يجب علينا أن ننتبه إلى القاعدة التربوية التي  وضعها، عليه السلام، وهي غاية في الأهمية وهي على المربّي ان يكون متربياً، ليؤثر في طلابه وتلاميذه، وإذا لم يكن كذلك فلا  يتصدى  للتربية لانه سيفشل، فمن أراد أن يربي الاجيال فعليه أن يربي نفسه اولا ليكون  قدوة لهم في سلوكه وأدبه واخلاقه وعلمه وفضله وكل شيء فيه.

 ذكر الشيخ المفيد قائلا: ونقل الناس عن الإمام الصادق، عليه السلام، من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر ذكره في البلدان”. (الإرشاد، ج٢، ص١٧٩).

 كان، عليه السلام، يجري على تربية أصحابه تربية إسلامية تمثل الصورة الثقافية للاسلام والصورة الواقعية للحجة، هكذا فعل الإمام الصادق، عليه السلام، بالمدرسة العلمية لاسيما من كان يميزهم الإمام، عليه السلام، ومنهم محمد بن مسلمة، وابان بن تغلب وهشام بن الحكم ومن كبار التابعين وأصحاب الاىمة السجاد والباقر والصادق عليهم السلام.

 كانت مرحلة الإمام الصادق، عليه السلام، مرحلة تجديد الفكر الإسلامي وتاصيله، كان يريد الناس أن يسالواكما قال الله سبحانه وتعالى: {اسألوا اهل الذكر ان كنتم لاتعلمون} وهذا معناه {فلله الحجة البالغة}، وما عليك إلا أن تتعلم لأن جهلك لايمثل عذرا لك أمام الله عز وجل.

كان، عليه السلام، يصبر على نزوات السائلين والمغرضين المنافقين الذين يتحركون في اسئلتهم إلى مستوى الجرأة، حينما أشارله ابن  ابي العوجا، حينما كان جالسا إلى جانب  بيت الله الحرام  كان يسخر يشير إلى الطائفين في الكعبة، فلا ينفعل الإمام بل يحاوره برفق، وهكذا أراد الإمام الصادق، عليه السلام، ان يعلن رأيه بوجوب الإمامة.

مدرسته ساهمت في ارساء خط التشيع الفكري ليس عن طريق الدراسة والبحث، بل عن طريق القدوة العليا التي مثلها الإمام عليه السلام، في المجتمع والدرس العلمي، ولو درسنا تراثه الفكري فإننا نجد فيه عمق الفلسفة والحجة القاطعة  في مسائل العقيدة، ومن شؤون الحياة او طريقة معالجتها للقضايا السياسية التي تنسجم مع معطيات المرحلة .

 كانت مدرسته شمولية بعيدة الأثر والمقاصد رسمت المنهج الشامل المتكامل الذي قال فيه الله عز وجل في كتابه الكريم:  {اليوم اكملت لكم دينكم، واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}.

⭐ مدرسته ساهمت في ارساء خط التشيع الفكري ليس عن طريق الدراسة والبحث، بل عن طريق القدوة العليا التي مثلها الإمام عليه السلام، في المجتمع والدرس العلمي

 اخيرا يمكن القول: وهكذا صنع الإمام الصادق، عليه السلام من تلامذته طلبة العلم اساطين الشيعة قدوات راقية ما زلنا نقتدي بهم إلى الآن  وناخذ منهم وعنهم  العلم والأدب والأخلاق والفضائل.

ويمكننا القول: “ان مرحلة الإمام الصادق، عليه السلام، مرحلة تجديد الفكر الإسلامي وتاصيله وعلى هذا الأساس يعلن رأيه بوجوب الإمامة، لأن الإقناع بالدليل والحجة هو ما ميز مدرسة الإمام الصادق، عليه السلام، العلمية عن بقية المدارس الأخرى التي اصطنعتها السلطة والأنظمة الحاكمة، اختلف ايمة الشيعة ليس لهم مكان في بلاط السلطة الجاىرة.

 للأسف هذا الإمام الذي مثّل جامعة علمية متكاملة في العلوم الدينية والعلوم الأخرى لم نرَ له ذكر في بعض مصادر العامة والذي نقل عنه الرواة ما سارت به الركبان وذاع صيته في البلدان، مع ذلك، ورغم أن البخاري كان معاصراً لنهايات حركة الإمام جعفر الصادق، عليه السلام، في الكوفة، لا يروي البخاري عنه رواية واحدة، هذا تعصب واضح في الحقيقة، فهل يمكن اعتبار ذلك شاهداًعلى أن لا وجود للأمام الصادق، عليه السلام.

  عشرات الصحاح للائمة المورخين والمحدثين من هل السنة تروى روايات النبي، صلى الله واله وسلم، والصحابة في قضية الإمام المهدي، عجل الله تعالى فرجه، فإذا لم ينقلها البخاري يجب أن تسجل  عليه علامة استفهام.

  الحمد لله أصبح عميد الفقهاء و الصادقين، شهد له الداني والقاصي  والعدو والصديق والى اليوم لايوجد اعلم منه.

مهما حاولت السلطة الحاكمة  ان تغير الفكر المحمدي الحقيقي ولكن الإمام، عليه السلام تصدى لهم.

اللهم ارزقنا زيارته في الدنيا شفاعته في الآخرة.

عن المؤلف

أ.د سادسة حلاوي حمود ــ جامعة واسط ــ قسم تاريخ الأندلس والمغرب

اترك تعليقا