يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: “الْإِيمَانُ عَلَى أَرْبَعِ دَعَائِمَ: عَلَى الصَّبْرِ، والْيَقِينِ، وَالْعَدْلِ، وَالْجَهَادِ:فَالصَّبْرُ مِنْهَا عَلَى أَربَع شُعَبٍ عَلَى الشَّوْقِ، وَالشَّفَقِ، وَالزُّهْدِ، وَالتَّرَقُّبِ: فَمَنِ اشْتَاقَ إِلَى الْجَنَّةِ سَلاَ عَنِ الشَّهَوَاتِ، وَمَنْ أشْفَقَ مِنَ النَّارِ اجْتَنَبَ الْمُحَرَّمَاتِ”.
الخوف الحقيقي لابد أن يكون من شيء يستحق الخوف حقا، وكلما ما يخافه الانسان ومن اجله يقدم على ما يقدم عليه، لا يستحق الخوف إلا نار جهنم، ذلك اخوف ما يخشاه الناس هو الموت، او اخشى ما يهربون منه هو عذاب في الدنيا، وكلاهما لا يستحق ذلك الخوف، لانه خوف مؤقت، أما الشيء الذي يدوم، ولا ينتهي هي نار جهنم، والخوف منها خوف حقيقي.
كما في مسألة اللذات، فالجنة هي التي يجب ان تحرك الانسان بما فيها نعيم، كذلك فيما يرتبط بالنار الخوف منها يجب ان يمنع الانسان عن كثير من المحرمات، فمحرك الانسان في هذه الحياة، ليس الاقتصاد، ولا البطن، ولا اللذة، إنما الخوف والرجاء.
محرك التاريخ هو الخوف او الرجاء لانهما محركا الانسان، فإما أن يرجو الانسان مُلكا اولذة هذا هو المحرِك، لذا نرى ان الميؤس لا يحرك فذلك الذي يجوع حينما يكون تحركه ميؤسا منه فإنه لا يتحرك، لكنه حين يصبح صاحب أمل ورجاء تراه يتحرك، فالمحرك ليس الجوع ولا الاقتصاد، ولا الاستغلال، ولا وجود مستغِل ولا مستغَل، لاننا نرى في بعض البلاد هذه الحالة موجودة لكنها لاتحرك التاريخ ولا تغيّر المعالات، لان الناس مأيوسين، فإذا رأوا بصيصا من النور والامل تحركوا، فالرجاء من جهة، والخوف من جهة اخرى، هما اللذين يحركا رجلي الانسان.
⭐ المجتمع الذي يؤمن أن أمامه إما جنة او نار، يندفع الى الخيرات، ويمتنع عن المعاصي والموبقات
فمن ماذا نخاف ومما نرجو؟
الجنة تستحق الرجاء “ومن اشتاق الى الجنة سلا على الشهوات ومن اشفق من النار اجتنب المحرمات” نار الدنيا نار رحمة، ومع ذلك جميعنا يهرب منها، ونصنع مراكز لاطفاء الحرائق، وإذا شمتت رائحة الحريق في مكان قفزت من مكانك بحثا عنه، وإذا حدث حريق في مجلس ما، فإن الكل يهرب.
حينما طلب عقيل من أمير المؤمنين، عليه السلام، زيادة في الراتب، أحمأ عليه السلام حديدة وقربها من يده، فضج عقيل من حرها، وقال له: يا عقيل ثكلتك الثواكل، أتأن من حديدة احمأها إنسان للعبه ولا أئن من نار سجراها جبارها لغضبه.
نار الدنيا حمراء، لكن نار الاخر لا لون لها، فهي ظلمات بعضها فوق بعض، وهي النار التي تستحق ان يُخاف منها، أما الخوف من أي بلية دنيوية فلا يقارن بنار جهنم: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}.
المجتمع الذي يؤمن أن أمامه إما جنة او نار، يندفع الى الخيرات، ويمتنع عن المعاصي والموبقات.
⭐ القيمة الحضارية للإيمان بجهنم؛ ان الانسان الذي يخاف منها، لا يسرق، ولا يزني، ولا يرتكب الظلم والتعدي
البشر يريد الصلاح فيعمد الى سن القوانين لكن ذلك لا يفيد، فالمشكلة داخل الانسان، فما دام لا يخاف فلن يرتدع، وما دام يرجو المال فهو مستعد للحصول عليه من أي مصدر ولو من جيب صاحبه.
القيمة الحضارية للإيمان بجهنم؛ ان الانسان الذي يخاف منها، لا يسرق، ولا يزني، ولا يرتكب الظلم والتعدي، والذي يؤمن بالجنة يستسهل كل صعب، وجاء في مضمون حديث عن أحد المعصومين “خافوا من النار كأنكم تعذبون فيها وارغبوا في الجنة وكانكم فيها منعمون”، يجب أن يتصور الانسان نفسه في حفرة من حفر النيران، او روضة من رياض الجنة، قد يجد البعض صعوبة في اجتناب لذة محرمة، فإذا تذكر جهنم امتنع عنها، وقد يجد آخر صعوبة في تحمل مشقة معينة، فإذا تذكر الجنة استسهل تلك الصعوبة.
- مقتبس من محاضرة لآية الله السيد هادي المدرسي (حفظه الله).