يقول الإمام الصادق، عليه السلام: “إنما شيعة جعفر من عف بطنه وفرجه واشتد جهاده وعمل لخالقه ورجا ثوابه وخاف عقابه فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر”.
في مقالتين سابقتين كان الكلام عن صفات ثلاث من مواصفات الشيعي الحقيقي، وكانت؛ كف البطن والفرج، ومجاهدة النفس، والسعي لرضا الله.
وفي هذه المقالة يكون الكلام عن الصفتين الأخيرتين في هذه الرواية؛ ” إنما شيعة جعفر من عف بطنه وفرجه واشتد جهاده وعمل لخالقه ورجا ثوابه وخاف عقابه فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر”. والصفتين الأخيرتين تتمثلان في السعي الى الجنة، والخوف من النار.
الصفات الثلاث التي سبق الكلام عنها تتفرع من الصفتين الأخيرتين، فإذا خاف الانسان من النار وسعى الى الجنة، سيطر على شهوة البطن والفرج، وسيجهاد نفسه، ويخلص العمل لله ـ تعالى ـ، يقول النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله” اذكروا هادم اللذات”، ذلك أن ما بعد الموت إما جنة أو نار (الثواب أو العقاب).
الموت يهدم لذة الفرج والبطن، يقول الإمام الرضا، عليه السلام: “عجبت من أيقن بالموت كيف يفرح”، ولذا لابد للمؤمن أن يكون في توازنٍ بين تلك الصفتين، بين الرجاء والثواب؛ يرجو الجنة ويخاف النار، “من اشتاق الى الجنة سلا عن الشهوات”، فاشتياقه الى الجنة سيغشله عن الشهوات الفانية؛ من قبيل شهوة البطن والفرج، والشهرة وما شابه.
⭐ حين يفكر الإنسان أن الله يراه، فإنه يخاف الله ولا يخاف من الناس، وشخصية هذا الفرد تختلف عن غيرها، فكرا وسلوكا
الجنة أكبر من شهوات الدنيا، يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: “شَتَّانَ مَا بَيْنَ عَمَلَيْنِ عَمَلٍ تَذْهَبُ لَذَّتُهُ وَ تَبْقَى تَبِعَتُهُ وَ عَمَلٍ تَذْهَبُ مَئُونَتُهُ وَ يَبْقَى أَجْرُهُ”، وفي رواية عن أمير المؤمنين، عليه السلام: “كم من أكلة منعت أكلات”، فربَّ أكلة تؤدي بصاحبها الى النار، يقول ـ تعالى ـ: {يَأكُلُونَ فِي بطُونِهُمْ نَارَاً}، وكما أن أكلة قد يمكن ان تودي الى جهنم، أيضا فهناك شهوات أخرى تجر صاحبها الى النار.
البعض تراه ضعيفا تجاه الشهوات، ولا تجد إخلاصا ـ عنده ـ لخالقه، ولا يكن هدفه رضا الله، لانه أمله وتطلع لم يكن للجنة، فتراه يتطلع الى الشهوات في الدنيا، ولم يخف الله، بل خاف من الناس، وحين الشهوة يستتر من الناس، ولا يستحي من الله!
من كلام لأمير المؤمنين، عليه السلام وقد سأله ذعلب اليماني، فقال: “هل رأيت ربك يا أمير المؤمنين؟
فقال عليه السلام: أفأعبد ما لا أرى؟ فقال: وكيف تراه؟ فقال:
لا تراه العيون بمشاهدة العيان، ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان. قريب من الأشياء غير ملامس . بعيد منها غير مباين. متكلم لا بروية، مريد لا بهمة. صانع لا بجارحة. لطيف لا يوصف بالخفاء. كبير لا يوصف بالجفاء بصير لا يوصف بالحاسة. رحيم لا يوصف بالرقة. تعنو الوجوه لعظمته، وتجب القلوب من مخافته”.
⭐ الشيعي الحقيقي هو من يعفُّ نفسَه عن الحرام بكل أشكاله، فلا يخدع نفسه من يقدم على الحرام وينتظر شفاعة أهل البيت
حين يفكر الإنسان أن الله يراه، فإنه يخاف الله ولا يخاف من الناس، وشخصية هذا الفرد تختلف عن غيرها، فكرا وسلوكا، وقصة نبي الله يوسف، عليه السلام، من أجلى القضايا في هذا الشأن، فلم يكن بينه وبين الذنب إلا أن يقدم، لكنه خاف الله.
سبب ضياع الشباب هو سوء التربية خصوصا في هذا الجانب المهم منها، وهو طرح مفهوم الثواب والعقاب كما ينبغي، ولهذا من المهم أن يربي الأب أبناءه على ذلك، والقرآن الكريم وعبر آياته المباركة يؤكد على هذا الدور التربوي بذكر الجنة الجنة والنار.
حين يتحدث القرآن الكريم عن أي مشروع؛ سواء كان فكريا، أم اجتماعيا، ام في جانب آخر، تراه يحدث ربطا بين المشروع من جهة، وبين الجنة والنار من جهة أخرى، وفي السور القصار حديث كثير وواضح عن هذا الجانب، وكل ذلك من أجل غرس الخوف من الله ـ سبحانه وتعالى ـ، ومن غضبه وانتقامه، {عذاب أليم}، {عذاب مهين}.
أمير المؤمنين، عليه السلام، حيث يصف المتقين، يقول: هم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذبون وهم الجنة كمن رآها فهم فيها منعمون”، فمَن يصل الى هذه الحالة، فإن يسعى الى الفوز بالجنة، والنجاة من النار، يقول ـ تعالى ـ: {فمن زحزح عن النار .. فقد فاز}، وهذا هو الفوز الحقيقي. فحين يحصل الإنسان في الدنيا على الأموال، ويتمتع ببعض الشهوات، ثم ماذا بعد ذلك؟
فحين يشبع بطنه، ويملأ عينه بالحرام ماذا بعد؟ فما قيمة أن يحصل الإنسان على الاموال في الدنيا، ويتمتع ببعض الشهوات، وتكون آخرته الى النار!
الشيعي الحقيقي هو من يعفُّ نفسَه عن الحرام بكل أشكاله، فلا يخدع نفسه من يقدم على الحرام بانتظار شفاعة أهل البيت، عليهم السلام! كذلك من يضيع صلاته لا يمكن أن تناله الشفاعة، يقول الإمام الصادق عليه السلام: “إن شفاعتنا لا تنال مستخفا بالصلاة”، ومن صفات الشيعي أن يخلق توازنا بين الثواب والعقاب، فهو يراقب نفسه خوفا من الله، ويعمل رجاءً للفوز بالجنة ونعيمها.