شكّل الإمام المهدي المنتظر، عجل الله فرجه، منعطفا هاما وتحولا فيما يتعلق بالامامة، لذلك احتلت قضية الإمام المهدي المنتظر مساحة كبيرة في الفكر الشيعي، وحسب المعتقد الشيعي فإن عودة الإمام المهدي، عجل الله فرجه، ترافقها جملة من الأحداث والتطورات العالمية، وقد حدثت أزمة كبيرة في صفوف الشيعة الامامية بعد استشهاد الإمام الحادي عشر الحسن بن علي العسكري، عليه السلام.
- الإمام الحسن العسكري والإقامة الجبرية في مدينة العسكر
كان الإمام الحادي عشر الحسن العسكري، عليه السلام، يعيش في مدينة العسكر سُرَّ مَن رأى( سامراء)، في ظل السلطة العباسية الشريرة، وبما يشبه الإقامة الجبرية والسجن، وكانوا يعدون عليه أنفاسه، كل ذلك لمنع ولادة ولده الامام المهدي المنتظر، عجل الله فرجه، ولكن إرادة الله غالبة، فولد الإمام وعاش وترعرع في حجر أبيه العظيم، حتى اغتالته يد السلطة العباسية الأمة وهو في ريعان الشباب ولم يبلغ الثلاثين من عمره الشريف.
📌 خلال سنوات إمامته القصيرة كان همّه الأكبر ينحصر بكيف يأتي خليفته بعيداً عن عيون السلطة العباسية، ثم كيف يوصل صورته ويعرف الأمة بإمامها المفترض عليها طاعته ومعرفته
وخلال هذه الفترة الزمنية التي قاد فيها الأمة الإسلامية ولست سنوات وفي اعقد واحلم أيامها من حيث الظلم والظلام العباسي المجرم، بحيث انهم ضيقوا على الإمام العسكري كما ضيق فرعون على بيت عمران وبني إسرائيل في سالف الأزمان، وفي تلك الظروف الخانقة، والأحوال الضاغط جداً، فكيف لشاب في مقتبل العمر (٢٢سنة فقط)، أن يقود الأمة الاسلاميه المترامية الأطراف، الذي كان الخليفه الحاكم يعجز عن ضبطها ففي كل يوم تخرج ثورة، أو انتفاضة على ظلمه وطغيان ولاته على الامصار، وكيف كان يتواصل مع محبيه وشيعته وأهل ولايته وهو في تلك الظروف الصعبة؟
وما هو الإبداع الذي تكفل به للوصول من وإلى شيعته؟
وكيف هيأ الشيعة الكرام لزمن الغيبة من بعده، لعلمه بأن ولده المبارك ستكون له غيبه طويله يحتجب فيها عن محبيه وشيعته، وهي على مرحلتين صغرى، وكبرى ما زلنا نعيش في ظلها ونترقب طلعة تلك الغرة الميمونة المباركة لسيدنا وإمامنا أرواحنا له الفداء؟
- الإبداع الإداري والتألق الفكري الحضاري للإمام الحسن العسكري
خلال سنوات إمامته القصيرة كان همّه الأكبر ينحصر بكيف يأتي خليفته بعيداً عن عيون السلطة العباسية، ثم كيف يوصل صورته ويعرف الأمة بإمامها المفترض عليها طاعته ومعرفته، هنا يمكن أن نتحدث عن الإبداع الإداري، والتألق الفكري الحضاري للأمام الحسن العسكري، عليه السلام، والمتمثل بالنجاح المنقطع النظير في الجانب الاجتماعي والتواصل المضمون مع الشيعة وقيادتهم في تلك البحار المتلاطمه من المشاكل.
الإمام الحسن العسكري، عليه السلام، ككل أجداده الكرام مظلوم أشد الظلم من الأمة الظالمة وحكامها من بني العباس الطغاة الظالمين الذين حاولوا إطفاء ذاك النور، واسكات ذاك الصوت الحق، ولكن الفطنة والحكمة التي كان عليها الإمام فوتت عليهم الفرصه دون تحقق مآربهم، بل إلتف عليهم كلها وحقق رسالته كاملة في الأمة، ولذا لم يتركوه فخافوا على ملكهم فدسوا له السم فقتلوه وهو في الثامنة والعشرين من عمره الشريف، ولكنه ترك للأمة والعالم مخلصها من اشرارها وظلمهم، وباني دولة الحق والعدل الإلهية المنتظرة فيهم في قادم الأيام بإذن الله ـ تعالى ـ.
- الجانب الديني والروحي وقيادة الإمام الحسن العسكري
هذا الجانب من حياة الأمة هو مهمة ووظيفة الإمام في عصره فكان عليه ـ روحي فداه ـ أن يبحث عن طريق يودي تلك الرسالة ويحافظ على تلك الجماعة المباركة من الشيعة التي كانوا في محطة من أدق وأحس الفترات كلها، لما لها من تأثير على مستقبل الامة كلها، فمهمة الإمام الحسن العسكري، عليه السلام، الشاب الذي اُبعد عن أهله وقاعدته في المدينة المنوره، وجاؤوا به إلى مدينة العسكر ومنعوا أحداً من الاتصال به إلا لضرورة.
فهو في مكان غريب ومجتمع أشد غربة وظروف في غاية البؤس والتقلب، والضغط الجتماعي، والسياسي، والاقتصادي، والثقافي وحتى الإنساني، وكان عليه أن يعطي الأمة حقها ويحافظ لها على دينها ويدافع عن قرآنها وعقائدها تجاه أولئك المتربصين، من الواقفية، والزنادقه، والفلافسة، والثنوية، والصوفية، والرد على الشبهات الكثيرة التي كانت تأثيرها حركة الترجمة والاختلاط الثقافي في المجتمع.
📌أعطى الأمة حقها وحافظ لها على دينها ودافع عن قرآنها وعقائدها تجاه أولئك المتربصين، من الواقفية، والزنادقة، والفلاسفة، والثنوية، والصوفية، والرد على الشبهات الكثيرة التي كانت تأثيرها حركة الترجمة والاختلاط الثقافي في المجتمع
ورغم كل تلك الظروف المعقدة جداً ترى الإمام الشاب الحسن العسكري، عليه السلام، وهو في قلب مدينة العسكر حيث يعدون له أنفاسه، ويراقبنه من يقظته وحتى منامه، تراه مطمئناً هادئاً لا يحسب لهم حسابا، بل بالعكس كانوا يعيشون حالة من الرعب منه كما ينبه الإمام الحسن العسكري، عليه السلام، بهذه الرواية العجيبة فعلاً، قال الإمام العسكري: “قد وضع بنو أمية وبنو العباس سيوفهم علينا لعلتين: إحداهما؛ أنهم كانوا يعلمون أنه ليس لهم في الخلافة حق، فيخافون من أعدائنا إياها وتستقر في مركزها وثانيهما؛ أنهم وقفوا من الأخبار المتواترة على أن زوال ملك الجبابرة والظلمة على يد القائم منا، وكانوا لا يشكون أنهم من الجبابرة والظلمة، فسعوا في قتل أهل بيت رسول الله، صلى الله عليه وآله، وابادة نسله، طمعاً منهم في الوصول إلى منع تولد القائم أو قتله، فأبى الله أن يكشف أمره لواحد منهم، إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون”.
وبناء على هذا الحديث الذي أعطى فيه الإمام عين الحقيقة والصواب، وأواضح بأن خوف الحكام والسلاطين من أئمة أهل البيت، عليه السلام، منذ السقيفة يأتي هذين الأمرين (الخوف على السلطان المغصوب بدون حق، وولادة القائم بالحق، ولذا سنؤكد هذين الجانبين تجاه الامة عامة والشيعة خاصة.
وأول خطوة في هذا الاتجاه ربما هي حماية الشيعة وتحصينهم أمنياً حتى لا تقتلهم السلطات العباسية المتربصة بهم للتنكيل بهم أو سجنهم، فكان المولى إلامام العسكري، عليه السلام، يحاول بكل طريقة ووسيلة أن يحفظهم ويحميهم من أولئك الطغاة وجلاوزتهم.
اخيراً؛ كان الإمام الحسن العسكري، عليه السلام، بهذا التصرف الحكيم قد حمى نفسه الشريفة، وحمى هذا المؤمن الموالي له لأن الظروف كانت لا تسمح بالعمل المكشوف، والأمر يحتاج إلى تقية وحكمة وحنكة في كل التصرفات لحفظ الجميع، وكان الإمام، عليه السلام، هو المبادر إلى ابتكار أساليب جديدة في إيصال أوامره ووصاياه إلى وكلائه وثقاته.
وأسأل الله ـ سبحانه ـ أن يجعلنا من المؤمنين المنتظرين لظهور سيدنا ومولانا وهادينا ومهدينا، وأن يجعلنا من جنده ومقوية سلطانه ولا يستبدل بنا غيرنا غنه ولي ذلك كله، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على أشرف الخلق محمد وآله الطيبين الطاهرين، لا سيما مَنْ نحن في رحاب ذكره الشريف الإمام الحسن العسكري، عليه السلام.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وتحياته.