{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}. (سورة البقرة، الآية:153)
عندما تتصدَّر الآية عبارة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا}، فهذا يعني أنَّ مضمون الآية الكريمة هو أمور خاصة بالمؤمنين بالذات، وأنَّ الآية تتضمن إحدى فقرات المنهج الإلهي للمؤمنين في الحياة، وبالتالي يكون المؤمنون مطالَبين بالأخذ بمضمون الآية وتطبيقه في الحياة قبل غيرهم.
نلاحظ أولاً أنَّ الخطاب في الآية جاء بصيغة الجمع وليس بصيغة المفرد، فلم يقل الباري -عزَّ وجل-: يا أيها المؤمن، أو يا أيها الذي آمَنَ، بل لم نجد في القرآن كله خطاباً من هذا النوع، بل قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا}، وهذا يدل على أنَّ المؤمن ينطلق في تطبيق مناهج الله –تعالى- في الحياة جنباً الى جنب مع سائر المؤمنين، وليس لوحده، فالفردية ليس لها موقع في قاموس المجتمع الإيماني، بل التجمع والتعاون والتعاضد هي سمات المجتمع المؤمن، ذلك أنَّ التعاون قوة، والتجمع سلاح فعّال، والتعاضد سُلَّم التقدم.
تأمر الآية الكريمة المؤمنين أنْ: {اسْتَعِينُوا}؛ فالمؤمنون مأمورون بالإستعانة، والإستعانة تأتي عند التحديات والمصاعب والإبتلاءات، وبالطبع فإنَّ الحياة الدنيا التي هي دار الإبتلاء، مليئة بالصعاب والمشاق والمشاكل التي ينبغي على الإنسان مواجهتها، شاءَ أم أبى، ولكن؛ كيف؟!
يجيب القرآن الكريم: {اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ}.
و واضحٌ أنَّ المقصود من الصبر هنا ليس هو الصبر السلبي، ولا الإستسلام للمصاعب، أو الخضوع أمام التحديات، وإنما الصبر يعني: مواجهة المصاعب، والوقوف أمام المشاكل، والصمود والمقاومة في وجه التحديات.
فبالصبر يتطلَّع المؤمنون لبناء مستقبلٍ مزدهر، وبالصبر قد يضحِّي المؤمنون ببعض المكاسب الحاضرة لكي يوفَّقوا لإقامة حضارة الإيمان المشرقة.
والقرآن الكريم يهتم بالصبر ويؤكد عليه كثيرا، فهناك حوالي سبعين إشارة في كتاب الله المجيد الى هذه الصفة الهامة. وفي سورة العصر، نجد أنَّ التواصي بالصبر هو أحد أهم ميزات المؤمن التي تحميه من أن يكون في خُسر: {وَالْعَصْرِ، إنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا، وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ، وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}.
ثم تشير الآية الكريمة الى {الصَّلَاة} كركيزة ثانية بعد الصبر يستعين بها المؤمنون في مسيرتهم: {اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ}.
والصلاة من أهم العبادات في الإسلام، فلم تُذكَر الأعمال الصالحة -سواءً في القرآن المجيد، او في السنَّة الشريفة- إلَّا والصلاة على رأسها.
والصلاة ترمز الى الإنقطاع عن المؤثرات المادية في الحياة الدنيا، والتوجه الى الله تعالى، والتوكل عليه.
فالتقدم وبناء الحياة الطيبة الكريمة يعتمد ركيزتين: الصبر والصمود والمقاومة من جهة، ثم المعنويات المرتفعة والإرتباط بالله –تعالى- التي تأتي من الإهتمام بالصلاة، من جهة ثانية.
وفي ختام الآية نقرأ: {إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
فالصابرون يَحظون بلا شك بالتقدم في الدنيا والفلاح في الآخرة، لأنَّ الله معهم. الله الذي بيده كلُّ شيء، فليس المهم أن تكون هذه القوة المادية الدنيوية الزائلة، أو تلك، معك أو ضدك، لأنَّ الله معكم أيها المؤمنون الصابرون: {إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
وفي ختام الآية الكريمة نجد مرة أخرى أنَّ الخطاب جاء بصيغة الجمع أيضاً، فـ {إنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }، أي المجتمع الصابر، والأمة الصابرة، وليس الفرد الصابر، فكل الأمة ينبغي أن تتحلى بميزة الصبر والمقاومة والتحدي، وهذا يتطلب أنْ يسلك المجتمع الإيماني طريق التعاون والتكاتف والتواصي والتشاور، لكي يفوز بحياة طيبة كريمة في الدنيا والآخرة؛ ذلك لأنَّ الشريعة لا تسمح للانسان أن يعيش دنياه متخلفاً مقهوراً دون أن يحرك ساكنا لتغيير وضعه الى الأفضل، بل المطلوب من المؤمن أن يتحدى كل الموانع والعقبات لكي يتقدم ويبني أطيب حياة لنفسه وللاجيال الصاعدة من بعده.
لكي نبني حياةً طيّبةً
عندما تتصدَّر الآية عبارة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا}، فهذا يعني أنَّ مضمون الآية الكريمة هو أمور خاصة بالمؤمنين بالذات، وأنَّ …