يقول الله ـ تعالى ـ: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ}.
اذا بحثت في محركات البحث العالمية عن طريقة الوصول الى السعادة، فستجد أكثر من مليون ومئة وستين ألف مقالة، مضافا الى عشرات الآلأف من الكتب والأفلام التي تسعى للاجابة عن هذا الاسئلة التالية:
ما هي السعادة؟
وكيف تصل الى السعادة؟
ما الاسباب الخسمة للسعادة؟
ولكن لنطرح سؤال أعمق: هل استطاعات كل تلك الكتب والمقالات أن توصل البشرية السعادة؟
هل البشرية اليوم سعداء؟ أم تعساء؟
بمراجعة بسيطة للاحصاءات يمكن أن نجد الاجابة عن هذه الاسئلة، فثاني أكبر مسبب للإعاقة عالمياً هو الاكتئاب، وهذه الاحصاءات تأتي من الدول المتقدمة، والبشرية صرفت عام 2016، أكثر من أربعمائة مليار دولار على العقاقير المرتبطة بهذه الأمراض؛ القلق، والاكتئاب وما شابه.
📌لماذا اساسا لا نستطيع تفسير السعادة، فهناك أكثر من مئتين وثمانية وثمانين رأي في تعريف السعادة عند الفلاسفة والعلماء، مما يدل أنهم لم يصلوا الى شيء
إذا كانت البشرية استطاعات أن تصل الى السعادة، فلماذا استخدام العقاقير والمهدئات؟
هل السعادة اللذة؟ أم الثراء؟ أم الراحة؟
لماذا اساسا لا نستطيع تفسير السعادة، فهناك أكثر من مئتين وثمانية وثمانين رأي في تعريف السعادة عند الفلاسفة والعلماء، مما يدل أنهم لم يصلوا الى شيء، وقد أخطأوا الطريق، حتى أن أحد الفلاسفة أسس نظرية اسماها “البؤس الاحتياجي”، يقول في هذه النظرية: “أن كل إنسان لابد ان يعيش البؤس لان الله هكذا خلقه!”.
لكن؛ هل الله خلقنا لكي نعيش بؤسا؟ هل اراد الله لنا أن نعيش الشقاء؟ اذا كان الجواب بنعم، فلماذا نرى بعض الناس يعيشون سعداء؟
وهذا يسوقنا الى سؤال آخر: هل السعادة والشقاء بيد الانسان؟
في مقابل ما طرحه الفلاسفة وغيرهم، ليس لنا بد إلا أن نطرق باب الوحي، لانهم عملوا كثيراً في الوصول الى السعادة، لكنهم لم يستطيعوا ذلك.
اليوم هناك ـ مثلا ـ في المشتريات قائمة صنعت خصيصا للأغنياء، ففي استراليا هناك قهوة يبلغ سعر الفنجان الواحد ستمئة دولار. وهناك المتنجعات في البحر الكاريبي، والجزر النائية، فهل اوصلت اصحابها الى السعادة؟
أغنى بشر على وجه الارض سُئل في مقابلة: هل تشعر احيانا بالوحدة؟
فقال: إذا لم يكن كلبي موجودا فأنا استوحش.
- كيف نسعد بالحسين؟
روى الفضل بن شاذان القمي في كتابه “مئة منقبة”، عن رسول الله صلى الله عليه وآله: ” بي أنذرتم وبعلي بن أبي طالب اهتديتم، وقرأ: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} وبالحسن أعطيتم الإحسان، وبالحسين تسعدون وبه تَشقون ألا وإن الحسين بابٌ من أبواب الجنة، من عانده حرم الله عليه ريحَ الجنة”.
إذا كان الإمام الحسين طريق سعادتنا، كيف نسعد بالحسين؟
مسيرة مضمخة بدماء قانيات، واطهر الدماء، فأمير المؤمنين، عليه السلام، حينما وصل الى كربلاء في مسيره الى صفين قال: الشهداء الذين يسقطون هنا افضل الشهداء على الاطلاق”.
مسيرة الشهداء مسيرة للسعادة والحياة، لان عجلة التاريخ بدأت وانطلقت من كربلاء، وهذا ما بينه سماحة السيد المرجع المدرسي في كتابه القيّم” التاريخ الاسلامي دروس وعبر”. والذي بين فيه حقيقة كربلاء، لا كما فهمها البعض فهما قاصراَ.
مسيرة الإمام الحسين، عليه السلام، توفر للإنسان السعادة في الدنيا والآخرة، وكما نريده للدنيا، فنحن نحتاج الحسين للآخرة، لانه شفيع الأمة، جاء في الرواية: “من زار الحسين عارفا بحقه كان من محدثي الله تحت عرشه والناس في عرصات القيامة”.
عن أبي خالد الكابلي قال: أتى نفر إلى علي بن الحسين بن علي عليه السلام فقالوا: إن بني عمنا وفدوا إلى معاوية بن أبي سفيان طلب رفده وجائزته، وإنا قد وفدنا إليك صلة لرسول الله صلى الله عليه وآله.
فقال علي بن الحسين: “قصيرة من طويلة، من أحبنا لا لدنيا يصيبها منا وعادى عدونا لا لشحناء كانت بينه وبينه أتى الله يوم القيامة مع محمد وإبراهيم وعلي”.
صحيح أننا نريد الحسين، عليه السلام، للآخرة، لكن هذا لا يمنع أن يكون، عليه السلام، سبب سعادتنا في الدنيا.
الدين جاء لعطينا السعادة في الدارين، يقول الله ـ تعالى ـ محدثا عن نبيه الأكرم، صلى الله عليه وآله: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ}، فنحن من نضع الأغلال حول انفسنا، عبر القوانين والدساتير، خلافا للقرآن الكريم.
حينما نجد أن الدين لا يوفر لنا السعادة، لابد أن نعرف أن هناك خلل في فهمنا للدين، يقول الله ـ تعالى ـ: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، فاذا استطاع المؤمنون تشكيل تكتل إيماني واستطاعوا التحكم بدفة الأمور، فإن جميعهم يعيشون مع بعض حياة طبية، لكن إذا سعى المؤمن في طريق الحق والهداية فإنه يسعد، وهذا هو الدين.
📌 مسيرة الإمام الحسين، عليه السلام، توفر للإنسان السعادة في الدنيا والآخرة، وكما نريده للدنيا، فنحن نحتاج الحسين للآخرة، لانه شفيع الأمة
جاء احدهم الى الامام الصادق، وقال ما هي السعادة؟
فقال الإمام: السعادة سبب خير تمسك به السعيد فرفعه الى السعادة، والشقاوة سبب خذلان تمسك بالشقي فأرداه”.
فهل هناك سبب أوثق وأفضل للسعادة من طريق أبي عبد الله الحسين عليه السلام؟
لذا نحن بحاجة الى ان نجلس في هذه المجالس ونسأل:
لماذا واقعنا بهذا الشكل؟
ولماذا بعض الدول الاسلامية تلهث وراء التطبيع مع الكيان الغاصب الذي يتآمر على بلداننا، ويقتل الناس؟
أين أمتنا الاسلامية التي يقول الله عنها: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}.
نحن ـ اليوم ـ في العراق بعد ثمانية عشر عاما من التغيير، ولم يكن هناك أي تقدم لان هناك خلل يجب أن يعالج، فمن لا يتمسك بالعلماء والقيادة الرسالية، ويذهب خلف الاحزاب والتيارات السياسية الفاسدة، لن يحقق أي تقدم للبلد.
لنتمسك بالحسين، عليه السلام، لانه مصدر السعادة، فالحضارة المادية حاولت أن تجلب السعادة، لكنها لم توفرها كما ينبغي، فهي لا تضمن للإنسان السعادة في الدنيا، فضلا عن الآخرة. فهم: {لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ}.