قال الإمام الصادق عليه السلام: “أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا”.
لماذا التأكيد من قبل أهل البيت عليهم السلام لإحياء الشعائر وتعظيمها؟
ولماذا يحاول الطغاة دائماً منعها والقضاء عليها؟
لقد عمل أهل البيت عليهم السلام، على أحياء أمر عاشوراء وتعظيم الشعائر الحسينية وإقامة المجالس والمآتم على الإمام الشهيد عليه السلام، وحثّوا اتباعهم على ذلك وعلى زيارة وتعهد قبره الشريف.
📌 الإمام السجاد عليه السلام، بعد واقعة كربلاء كان ما وضِعَ له طعام أو شراب إلا وبكى، وكان عندما يسير في السوق يمر بالقصابين فيسألهم: هل تسقون الشاة قبل أن تذبحوها؟
فهذا الإمام السجاد عليه السلام، بعد واقعة كربلاء كان ما وضِعَ له طعام أو شراب إلا وبكى، وكان عندما يسير في السوق يمر بالقصابين فيسألهم: هل تسقون الشاة قبل أن تذبحوها؟ فيجيبوه: نعم نفعل ذلك. فيبكي الإمام ويصيح: “والهفاه عليك أبا عبد الله، الشاة لا تذبح حتى تسقى الماء وأنت ابن رسول الله تذبح عطشاناً”.
فكان دائماً ما يذكّر الناس بما وقع في كربلاء ويحثهم على البكاء على أبيه حيث كان عليه السلام يقول: “أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي عليهما السلام، دمعة حتى تسيل على خدِّه بوَّأه الله بها في الجنة غرفاً يسكنها أحقاباً، وأيما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خده فينا لأذىً مسَّنا من عدوّنا في الدنيا بوَّأه الله بها في الجنة مبوَّأ صدق، وأيما مؤمن مسَّه أذى فينا، فدمعت عيناه حتى تسيل على خدّه من مضاضة ما أوذي فينا، صرف الله عن وجهه الأذى، وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار”.
وكذلك إبنه الإمام الباقر عليه السلام، كان يفعل ذلك، وأيضاً الإمام الصادق عليه السلام، كان يعقد المجالس للإمام الحسين، ويطلب من الناعي ان يذكر مصائب جده، ويحث أصحابه على إقامة المجالس وعلى ذكر مصائب الإمام الحسين عليه السلام، والتفاعل معها، فعن أبي هارون المكفوف، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يا أبا هارون أنشدني في الحسين عليه السلام، قال: فأنشدته، فبكى، فقال: أنشدني كما تنشدون في العراق – يعني بالرقة -، قال: فأنشدته:
امرُرْ على جَدَثِ الحسينِ
فَقُلْ لأعظُمِهِ الزكيَّةْ
قال: فبكى، ثم قال: زدني، قال: فأنشدته القصيدة الأخرى، قال: فبكى، وسمعت البكاء من خلف الستر، قال: فلما فرغت قال لي: يا أبا هارون من أنشد في الحسين عليه السلام شعراً فبكى وأبكى عشراً كُتبت له الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فبكى وأبكى خمسة كُتبت له الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فبكى وأبكى واحداً كُتبت لهما الجنة، ومن ذُكر الحسين عليه السلام عنده فخرج من عينه من الدموع مقدار جناح ذباب، كان ثوابه على الله، ولم يرضَ له بدون الجنة”.
وأيضاً الإمام الكاظم وولده الإمام الرضا عليهما السلام، وباقي الأئمة كانوا يهتمون اهتماماً بالغاً باحياء شعائر الإمام الحسين عليه السلام، فقد جاء في الرواية عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال: “إنّ المحرّم شهرٌ كان أهل الجاهلية يحرّمون فيه القتال، فاستحلّت فيه دماؤنا، وهتكت فيه حرمتنا، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا، وأضرمت النيران في مضاربنا، وانتهب ما فيها من ثقلنا، ولم ترع لرسول الله صلى الله عليه وآله حرمة في أمرنا. إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذلّ عزيزنا، بأرض كرب وبلاء، أورثتنا الكرب والبلاء، إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون، فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام. ثم قال عليه السلام: كان أبي صلوات الله عليه إذا دخل شهر المحرّم لا يرى ضاحكاً، وكانت الكآبة تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة أيام، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه، ويقول: هو اليوم الذي قتل فيه الحسين صلوات الله عليه”.
هكذا هم أهل البيت عليهم السلام كانوا يهتمون ويحرصون على التفاعل مع القضية الحسينية وذلك لأنها تحتوي على أمرين؛ على المظهر، وهو إقامة الشعائر وتعظيمها لنيل الثواب والحصول على رضوان الله وغفران الذنوب والفوز بالجنة، فالمؤمنون يقتدون بإئمتهم عليهم السلام في التفاعل مع القضية الحسينية وإقامة المجالس والمآتم واحياء الشعائر.
أما الجوهر وهو الأهم، فإن هذه الشعائر إنما هي بوابة ووسيلة للوصول إلى قيم وأهداف القضية الحسينية التي ثار من أجلها الإمام الحسين عليه السلام، ودفع دمه ودم أولاده واخوته وأصحابه في سبيل تحقيقها، وتلك الأهداف تتمثل في الإصلاح الحقيقي الشامل لكل مناحي الحياة، وتطبيق أوامر الله وتثبيت أحكام الدين في نفوس الأمة، وإقامة أمر الله وبث الوعي في الأمة، وتعريف الناس بالمنهج الصحيح والقيادة الربانية، ومحاربة الظلم والفساد وفضح الفاسدين والوقوف بوجههم ومحاربة الطغاة وعدم الخضوع لهم.
فهذه هي أهداف النهضة الحسينية، ومن يرتبط بالحسين عليه معرفة تلك الأهداف والقيم والعمل على تحقيقها، فأهل البيت عليهم السلام، عندما يحثونا على أحياء وتعظيم الشعائر، لا يريدون منا فقط أن نكتفي بمظهر الشعائر وإنما نتخذها وسيلة للوصول إلى الجوهر بعد أن حققنا المظهر واقمنا الشعائر وحصلنا الثواب، بعد ذلك ننطلق في المجتمع حاملين معنا تلك الأهداف التي تعلمناها من القضية الحسينية ونسير على نهج وسيرة الإمام الحسين عليه السلام في تحقيقها، كما سار هو بسيرة أبيه وجده.
ولهذا السبب نجد دائماً الطغاة وعلى مر التاريخ يخشون من الشعائر الحسينية ويحاربونها ويسعون للقضاء عليها ومنعها، وذلك لما تحمله تلك الشعائر من جوهر عميق يهدد أركان عرش الطغاة والظالمين، فتلك الدموع التي يذرفها المؤمن على الحسين تهيئ قلبه لحمل المسؤولية وتعميق الشعور بها، فهو يقتدي بالإمام الحسين عليه السلام في مسؤولية مواجهة الظلم والفساد.
📌الشعائر إنما هي بوابة ووسيلة للوصول إلى قيم وأهداف القضية الحسينية التي ثار من أجلها الإمام الحسين عليه السلام، ودفع دمه ودم أولاده واخوته وأصحابه في سبيل تحقيقها
لذلك الطغاة يحاولون القضاء على تلك الشعائر أما بطريق منعها وتقييدها وتوجيه العقوبة لمن يحييها، أو محاولتهم لتحريف الشعائر وتفريغها من محتواها وجوهرها، وجعلها مجرد حركات وطقوس تؤدى دون معرفة محتوى وجوهر وغاية تلك الشعائر.
لذلك فإن مسؤوليتنا تحتم علينا المحافظة على تلك الشعائر واحيائها وتعظيمها، والعمل على المنع من تحريفها، وعلينا أن نذكر بعضنا البعض ونتواصى بإن لا نسمح لأحد أن يفرغ الشعائر من محتواها واهدافها، فلابد ان يكون الواحد منا خادماً وعالماً، عارفاً بالإمام الحسين عليه السلام وبنهضته وبإهدافه، فالقضية الحسينية؛ عِبرةٌ وعَبرة، فكرةٌ ودمعة، خدمةٌ ومعرفة.