الحقيقة التاريخية تقول ان الرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله، لم يهمل أمته، ولم يترك كلمة من رسالته الا ابلغها لامته وتركهم على الحجة البيضاء، كما في رواية العرباض الصحيحة لدى القوم وهي قوله، صلى الله عليه وآله: “قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ومن يعش منكم بعدي فسيري اختلافا كثيرا فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ”. (مسند أحمد بن حنبل، ج٤، ص١٢٦ واخرون).
وهو نفس مؤدى ومختصر لحديث الثقلين المتواتر الذي ترويه الأمة، واكدها رسول الله، صلى الله عليه وآله: “أيها الناس اني قد جاءني من أمر ربي ما الناس اليه صائرون واني قد تركتكم على المحجة الواضحة ليلها كنهارها فلا تختلفوا من بعدي كما اختلف من كان قبلكم من بني إسرائيل وإني مخلف فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا ولن تزلوا كتاب الله وعترتي اهل بيتي فأسالكم بماذا خلفتموني فيهما”.
هذا الحديث الشريف من المتواترات في كتب وعلم الحديث، وهو قطعي الصدور عن رسول الله، صلى الله عليه وآله، وربما لا يوجد حديث آخر يبلغ قوته، ومكانته، وعظمته، وشدته، فله روايات والفاظ ورواة كثيرون.
الحقيقة التاريخية تقول ان الرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله، لم يهمل أمته، ولم يترك كلمة من رسالته الا ابلغها لامته وتركهم على الحجة البيضاء
لان رسول الله، صلى الله عليه وآله، كان يكرره في كل موضع، او موطن لاسيما في حجة الوداع وخطبها الخمسة، ثم يوم غديرخم وخطبته الرائعة فيه، وما ذلك إلا بأمر من الله وبيان من رسوله للأمة أنهما الحافظان للأمة والدين معا لا يفترقان إلى يوم القيامة، ولا يمكن ان ينهض أحدهما بمعزل عن الاخر، فكما نهوض الطائر بجناحين ولايمكن له ان يطير وينهض بجناح واحد والآخر هضيم وكسور.
وهذا واضح وجلي بل وجاءت الرواية توضح ان الاختلاف فيهما كالإختلاف الذي حصل في بني إسرائيل من قبل الذين تركوا هارون وعبدوا العجل الذهبي إلى اليوم،، فعن ابي هريرة قال قال رسول الله، صلى الله عليه وآله: “لتتبعن سنة من كان قبلكم باعا بباع وذراعا بذراع وشبرا بشبر حتى لو دخلوا في حجر ضب لدخلتم فيه”، قالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى، قال: “فيكون اول ما تنقضون من دينكم الأمانة الإمامة وآخره الصلاة”
ورغم كل هذه التاكيدات والتحذيرات النبوية إلا انهم وكأنهم لم يسمعوا بل كأنه أمرهم باتباع سنن بني اسرائيل فأخذوها وقتلوا هارونهم، الإمام علي، وأهل بيته الاطهار، عليهم السلام، جميعاً لأجل رجال السلطة القرشية، الذين رفضوا الخروج من المدينة والانضواء تحت راية أسامة، ثم منعوا الرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله، من كتابة وصيته العاصمة لهم من الضلال، كما تعترف وتروي كل مصادرهم.
علينا التوقف طويلا عند هذه المفاصل الهامة في تاريخنا لأنها هي المفصل الذي تحولت فيه الأمة من خير أمة أخرجت للناس إلى شر أمة من الناس يقتلون أبناء الأنبياء والمرسلين، وأهل البيت، عليهم السلام، أجمعين طمعاً بالسلطة والحكم، ونَهَم رجال قريش للدنيا وزبرجها وزخرفها.