المشارك في المسابقة الفاطمية
إنّ الشجرة تُعرف بثمارها؛ فوفرة الثمار ويَنْعُها يدلّان على طيب تلك الشجرة التي أخرجتها، كذلك كانت فاطمة سلام الله عليها، فهي {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}، إذ تكفي في عظمتها تلك الثمار الطيّبة التي أنجبتها وربّتها.
فمن مثل الحسن؛ سبط الرسول، وابن الزهراء البتول، وارث المختار، وابن حيدر الكرّار، الطاهر الزكيّ، والتقيّ النّقيّ؟
ومن مثل الحسين؛ سيّد الشهداء، وخامس أصحاب الكساء، نور العترة الفاطميّة، وسراج الأنساب العلويّة؟
ومن مثل زينب؛ محبوبة المصطفى، وقرّة عليّ المرتضى، سليلة الزهراء، وبطلة كربلاء؟
ترعرع هؤلاء الطاهرون في كنف سيّدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام، فرضعوا من ثدي الإيمان، وربَوا في حِجر الإسلام، حتّى سادوا الناس كلّهم، فأصبحوا بهم يقتدون، ومن علمهم ينهلون، وعبرهم إلى الله يتوجّهون.
منهج الزهراء في التربية
عندما يريد الإنسان أن يتعلّم أمراً ما فإنّه يتعلّمه ممّن نجح في ذلك الأمر، فإذا أردنا أن نعرف أصول التربية ومنهجها الأفضل فعلينا أن نتّجه لأفضل من قام بدور التربية، ومن كمثل الزهراء في ذلك، فقد كانت بنت خاتم النبيّين وأمّ الأئمّة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين، ونضيء على بعض جوانب التربية في سيرتها العطرة سلام الله عليها:
- كانت قدوة لأبنائها.
أن يكون الإنسان قدوةً لأبنائه بسلوكه وأفعاله فتلك من أنجع سبل التربية وأفضلها؛ ذلك أنّه لو أمرك شخص ورأيته يلتزم عمليّاً بذلك الأمر فإنّ لذلك أثراً كبيراً في نفسك، فقد يفعل الموقف في نفس الإنسان ما لا تفعله آلاف الكلمات، وتلك كانت من الطرق التي ربّت بها فاطمة الزهراء عليها السلام أبناءها، فقد كانت تُحضِرهم عند عبادتها لكي يروا ذلك منها، إذ يروي الإمام الحسن عليه السلام فيقول: “رَأَيْتُ أُمِّي فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ قَامَتْ فِي مِحْرَابِهَا لَيْلَةَ جُمُعَتِهَا فَلَمْ تَزَلْ رَاكِعَةً سَاجِدَةً حَتَّى اِتَّضَحَ عَمُودُ اَلصُّبْحِ، وَسَمِعْتُهَا تَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَ اَلْمُؤْمِنَاتِ وَتُسَمِّيهِمْ وَ تُكْثِرُ اَلدُّعَاءَ لَهُمْ وَ لاَ تَدْعُو لِنَفْسِهَا بِشَيْءٍ، فَقُلْتُ لَهَا: يَا أُمَّاهْ لِمَ لاَ تَدْعِينَ لِنَفْسِكِ كَمَا تَدْعِينَ لِغَيْرِكِ؟ فَقَالَتْ يَا بُنَيَّ اَلْجَارَ ثُمَّ اَلدَّارَ”.
عندما يريد الإنسان أن يتعلّم أمراً ما فإنّه يتعلّمه ممّن نجح في ذلك الأمر، فإذا أردنا أن نعرف أصول التربية ومنهجها الأفضل فعلينا أن نتّجه لأفضل من قام بدور التربية
وفي موقف آخر يرى الحسنان عليهما السلام حينما كانا مريضين كيف أنّ أباهما وأمّهما قد نذرا أن يصوما ثلاثة أيام إذا شفيا، فيأتي لهما مسكين في اليوم الأوّل فيعطونه ما لديهم من طعام ويفطرون على الماء، ثمّ يأتي يتيم في اليوم الثاني وأسير في اليوم الثالث فيعطونهما كذلك ويفطرون على الماء، حتّى نزلت بحقّهم سورة الإنسان ومن ضمنها: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُوراً}. (سورة الإنسان، الآيات 7-9).
- المبادرة في التربية.
تبدأ التربيّة منذ أن يفتح الطفل عيناه على هذه الدنيا؛ ذلك أنّ “قَلْبُ اَلْحَدَثِ كَالْأَرْضِ اَلْخَالِيَةِ مَا أُلْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيْءٍ قَبِلَتْهُ” ، ولذلك فإنّ أمير المؤمنين بادر أبناءه بتربيتهم وتأديبهم إذ يقول لابنه الحسن: “فَبَادَرْتُكَ بِالْأَدَبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسُوَ قَلْبُكَ وَيَشْتَغِلَ لُبُّكَ”.
وكذلك كانت السيدة الزهراء عليها السلام، فعلى رغم صغر سنِّ أبنائها إلّا أنّها كانت تربّيهم وتأدّبهم وتأخذهم معها في مختلف المواقف، فهاهي تصطحب معها ابنتها زينب عليها السلام حينما ذهبت لمسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله، لتلقي خطبتها المعروفة بالخطبة الفدكيّة، فكانت السيدة زينب هي من نقلت لنا تلك الخطبة، وهاهي تصطحب معها الحسنين عليهما السلام إلى بيت الأحزان. فشهدوا على الظلم الذي وقع على أمّهم، ورأوا كيف أنّها وقفت مع الحقّ مضحّية بنفسها في سبيل الله.
- التربية العباديّة.
كانت فاطمة الزهراء عليها السلام أعبد نساء زمانها حتّى قيل عنها: ما كان في هذه الأمّة أعبد من فاطمة، كانت تقوم حتّى تتورّم قدماها، ولكنّها في نفس الوقت لم تهمل تربية أبنائها، بل أرادت لهم أن يكونوا مثلها فكانت تحثّهم على العبادة على الدوام، ففي ليلة القدر كانت فاطمة عليها السلام لا تدع أحداً من أهلها ينام تلك الليلة، وتداويهم بقلة الطعام، وتتأهب لها من النهار، وتقول: “مَحْرُومٌ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا”.
- التربية العلميّة.
لقد ربّت فاطمة الزهراء عليها السلام ابنيها على حبّ العلم والمعرفة، وكانت تحثّهما على الذهاب لمجالس رسول الله صلّى الله عليه وآله، واستماع ما يقوله والتعلّم منه، فقد نُقل أنّ الحسن بن علي عليهما السلام كان يحضر مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وهو ابن سبع سنين فيسمع الوحي فيحفظه فيأتي أمّه فيلقي إليها ما حفظه، وكلما دخل عليٌّ عليه السلام وجد عندها علماً بالتنزيل فيسألها عن ذلك، فتقول: من ولدك الحسن.
- غرس مكارم الأخلاق.
إنّ للكلام والتلقين والتشجيع أثراً كبيراً في تربية الطفل؛ ولذلك جاء في الرواية: “بَادِرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالْحَدِيثِ قَبْلَ أَنْ يَسْبِقَكُمْ إِلَيْهِمُ اَلْمُرْجِئَةُ” ، ولهذا فقد كان ذلك جزءاً من تربية السيّدة الزهراء عليها السلام لأبنائها، فقد كانت تناغي ابنها الحسن عليه السلام وهي تقول له:
أَشبِه أَباكَ يا حَسَن
وَاِخلَع عَنِ الحقّ الرسَن
وَاِعبُد إِلهاً ذا منن
وَلا توالِ ذا الأحَن.
هكذا كانت سيدة النساء العالمين عليها السلام في تربيتها لأبنائها، فلا عجب أن كانت ثمرة تلك التربية هم أفضل الخلق وحجج الله على البريّة، وهكذا يجب أن نكون، فنأخذ من حياة هذه السيدة الطاهرة دروساً وعِبَراً في تربية أبنائنا حتّى يكونون كما أراد الله عزّ وجلّ.
المصادر
- علل الشرائع، ج1، ص 181-182.
- نهج البلاغة، رسالة 31.
- المصدر نفسه.
- بحار الأنوار، ج94، ص 10.
- بحار الأنوار، ج43، ص 338.
- الكافي، ج6، ص 47.
- مناقب آل أبي طالب (ابن شهر آشوب)، ج3، ص 159.