يقول الإمام الصادق، عليه السلام: “وأدنى صفة الجاهل دعواه العلم بلا استحقاق، وأوسطه جهله بالجهل، وأقصاه جحوده العلم”.
الإنسان حينما يعرف نفسه سيتمكن من معرفة ربه وحينما يجهل نفسه سيجهل الأشياء التي حوله، ومعرفة النفس وما يختلج فيها من طبائع وما اشبه، ومعرفة الأمور التي تجعلها أمارة بالسوء وما شابه، هذه المعرفة تمكّن الإنسان من إصلاح نفسه.
فإذا علم الإنسان أن الجهل متأصل فيه ويمكن أن يقتلع ـ ذلك الجهل ـ بالعلم والتعلم، فإنه ـ الإنسان ـ سيسعى لاكتساب العلم كي يكون عالما، وحينما يجهل الإنسان أنه جاهل ويتصور أنه عالم سيقبع في مستنقع الجهل.
الاصرار على الخطأ هو الذي يدمر الإنسان والمجتمع معا، وهذا هو أقصى درجات الجهل
وحين يعلم أنه جاهل لكن لا يسمح لنفسه أن تتعلم سيبقى ـ أيضا ـ في مستنقع الجهل، وكذلك حينما يملك علما، ولكنه لا يعكسه على واقعه ولا يطبقه، سيزداد هبوطا في وحل الجهل، لذلك من الضروري أن يعرف الإنسان نفسه.
في هذا المقطع يبين الإمام الصادق، عليه السلام، ثلاثة أقسام من الجهل، وهذه الثلاثة الأقسام هي نتاج الاستكبار الداخلي، فحينما يتكبر الإنسان ويتعالى فهو لا يقر بجهله، وكذلك يتصور جهلاً أنه عالم وهو لا يعلم بأنه جاهل، وبالتالي يقبع أكثر في الجهل.
وحينما يزداد ـ المرء ـ تكبراً حتى بعد المعرفة يكون جاحدا بالحقيقة، وهذا الجحود يؤدي به الى الهلاك، ومن خلال هذه الثلاثة الأقسام يمكننا قراءة انفسنا والمجتمع من حولنا حتى نعالج انفسنا.
يقول الإمام الصادق، عليه السلام”وأدنى صفة الجاهل دعواه العلم بلا استحقاق، وأوسطه جهله بالجهل، وأقصاه جحوده العلم”، هذا المقطع من الرواية يوضح لنا الصورة الحقيقية للمجتمع.
فالبعض لا يعلم شيئا لكنه يدّعي أنه يعلم، فحين يُسأل عن مسألة ما يجيب مع عدم معرفته بها ويتعامل مع الآخرين من موقع المعرفة، وقد يصل به الحد الى الإعتراض على المرجع في فتوى معينة اصدرها، فهو لا يعلم ـ هذا الجاهل ـ أن أي فتوى لم تأتِ من فراغ، بل هناك عشرات الروايات، فيبحث فيها المرجع حتى يخرج بتلك الفتوى!
“وأوسطه جهله بالجهل”، فهو يجهل نفسه ويتصور أنه عالم، يقول الله ـ تعالى ـ: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي}، و يقول ـ تعالى ـ {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ}، فتراه يعترض على حكم الله في هذه المسألة وتلك؛ كأن يقول: لماذا يرث الذكر مثل حظ الانثيين! فلماذا لم يحكم الله بغير هذا؟ (ومنو يكول هذا الحديث صحيح)؟ وهذا النوع كثيرون في مجتمعنا ـ للأسف الشديد ـ.
” وأقصاه جحوده العلم”، فهو يعلم أن هذا الحكم ـ الشرعي ـ صحيح لكنه يحجده وهذا هو الاستكبار بعينه، يقول الله ـ تعالى ـ {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً}، يعلم ان الله خالق الكون لكنه يحجد ويتكبّر وينكر ذلك، {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}.
ليس عيبا أن يقرَّ الإنسان بجهله في مسألة ما، فالمرء غير محيط بكل العلم، فمن يعرف كل الأحكام الشرعيّة من أولها الى آخرها؟ ولذا جاء في الرواية: “قول لا أدري نصف العلم”
والاصرار على الخطأ هو الذي يدمر الإنسان والمجتمع معا، وهذا هو أقصى درجات الجهل، ـ فمثلا ـ على مستوى العقائد فإن علماء الديانات والمذاهب يعلمون أن ديانتهم ومذهبم على باطل لكنهم يجحدوا ذلك، فعلماء اليهود والنصارى ألا يعلمون ان ديانتهم ـ الموجودة حاليا ـ باطلة وأن الإسلام هو الحق؟
وكمثال آخر ألا يعلم علماء بقية المذاهب الإسلامية أن المذهب الحق هو مذهب أهل البيت، عليهم السلام؟ يعلمون ذلك لكنهم ـ أيضا ـ يجحدون؛ فهل هناك أسوأ من هذا الجهل؟
وهذا ما يمكن أن نطبقه على النفس ونعرفها به، فالنفس تارةً تعلم بأنها جاهلة لكن الاستكبار لا يسمح لها بالاقرار بذلك، ولهذا فليس عيبا أن يقرَّ الإنسان بجهله في مسألة ما، فالمرء غير محيط بكل العلم، فمن يعرف كل الأحكام الشرعيّة من أولها الى آخرها؟ ولذا جاء في الرواية: “قول لا أدري نصف العلم”.
والجانب الآخرهو؛ أن علينا الالتفات الى انفسنا فحين نحصل على علم معين، فإن علينا الأقرار به والاتباع له: {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ}.
إن علينا أن لا نحجد بأي علم سواءً كان في القضايا الصغيرة أم الكبيرة، لانه” إذا علمتم فاعملوا”، و”إن العلم يهتف بالعمل فإن اجابه وإلا ارتحل”.
ولهذا فإن هذه الرواية؛ “وأدنى صفة الجاهل دعواه العلم بلا استحقاق، وأوسطه جهله بالجهل، وأقصاه جحوده العلم”، تبين لنا حقيقة أنفسنا، فنسعى من خلال ذلك الى اصلاحها وترويضها.