فکر و تنمیة

التنفيس الإنفعالي: استراتيجيات انتشال الإنسان من آلامه

التنفيس الإنفعالي هو التعبير عن الأحداث المؤلمة والمشحونة انفعاليا بشكل سلمي، وقد يكون التنفيس ذاتي بمعنى تفريغ الإنسان لكبته بيده عبر ممارسة لعبة أو رسم أو غيرها من الطرق التي سنذكرها، أو قد يكون التفريغ عبر جهة تمارس التفريغ للأشخاص، مثل عيادات الطب النفس وغيرها، التي تعتبر بمثابة استنزاف للشحنات الإنفعالية وتفريغ للحمولة النفسية المجهدة.

متى ظهر التنفيس الإنفعالي أول مرة؟
التنفيس الإنفعالي ظهر كحاجة ملحة لأول مرة في الحرب العالمية الأولى عندما قام احد قادة الحرب آنذاك يدعى (مارشال) بتطبيقه على الجنود العائدين من المعارك، وجعلهم يتحدثون بما حصل في المعركة وعن تجاربهم الشخصية وعن المصاعب التي واجهتهم والمشكلات التي مروا بها، وكان قصده حينها أن يعبّر عن اهتمامه بهم ليصبح فيما بعد منهجاً للتنفيس وقتل الهم والكبت داخل الإنسان.

ليس مجافٍ للحقيقة إن قلنا ان الخبرات الإنفعالية التي تواجه الإنسان تشبه السرطان الذي ينهش الجسم  ويتخلله يوم بعد آخر مما قد يوصله الى الموت

هل هو ضروري؟
ضرورة التفريغ الإنفعالي تأتي من كون المشكلات النفسية كالجمر الذي يمسكه أحدنا بيده فيحرقه ويؤثر على جميع اجزاء جسمه إن لم يسارع الى اخماده، ومعالجته ضرورة ليستطيع ان يشق طريقه في الحياة من دون عوائق ومعرقلات توقف تقدم الإنسان في اهدافه وتؤثر على نموه.
وليس مجافٍ للحقيقة إن قلنا ان الخبرات الإنفعالية التي تواجه الإنسان تشبه السرطان الذي ينهش الجسم ويتخلله يوم بعد آخر مما قد يوصله الى الموت، لكن حين تطهر نفس الإنسان ستصبح هادئة معافاة لا تشكو ثقلاً ولا هماً تتفتح للحياة وتعيشها بحب وسلام.

متى يلجأ الفرد الى التنفيس الإنفعالي؟
يلجأ الإنسان الى التنفيس الإنفعالي السليم حين يفشل في التعبير عن مشاعره الدفينة بشكل مباشر لعدم وجود من يثق به ليبوح له بما يثقل كاهله النفسي ويرهقه، أو حين يعبّر عن مشاعره بشكل سلبي؛ كممارسة العدوان الذاتي على نفسه، أو على من حوله، أو يحين يمارس بعض السلوكيات غير السليمة؛ كالتدخين، أو السرقة، أو القتل، أو غيرها من السلوكيات التي تبرز عند المراهقين، واحياناً ممارسة العدوان على من حوله بضربهم، أو رميهم بألفاظ نابية وغيرها من السلوكيات التي تدلّل على وجود حالة غضب مكبوتة في داخل صدر الفرد.

ممارسة الرياضة كلعب كرة القدم، أو كرة السلة، أو السباحة، تساعد على آخراج الطاقة السلبية من داخل الإنسان وتبديلها بطاقة إيجابية، وهنا نود الاشارة الى أن الرياضات التي تعتمد على استخدام اليدين تكون اكثر سرعة وفعالية في التنفيس


وللأطفال نصيب من التنفيس الإنفعالي فهم كالكبار يحتاجون الى إليه حين لا يحضون باهتمام كافٍ من الابوين، أو عند رفضهما تحقيق رغبتهم في الذهاب إلى مشوار ما، أو شراء شيء معين، فيعبّر الطفل عن ذلك بشكل سلبي عن طريق نوبات الغضب والصراخ وربما أذى الآخرين، أو كسّر الصحون، أو اية حاجة قريبة منهم.
كما قد يلجئون عناداً ترك دراستهم، أو التدخين أو غيرها من السلوكيات غير المنضبطة، ومن هنا تنبع ضرورة تعليمهم طرق التنفيس الإنفعالي الصحيحة لهم وتوجيه غضبهم بغية الخروج بأقل الخسائر، أو منع حدوثها إن امكن ذلك، لذا نرى وجود الإرشاد المدرسي ضرورة للقيام بهذا الدور المهم والحيوي، سيما إذا كان المرشد ذو ذكاء وفهم في تخصصه، ولديه قدرة في إثبات شخصيته وتحبيبها لطلبته فيصبح اقرب إليهم من ذويهم وبذا يتمكن من اخماد جمرة الغضب بيسر اكثر مما لو تدخل الولدين.

فوائد التفريغ الإنفعالي فهي:
1- التخلص من التوتر الإنفعالي عندما يحدث لدى الشخص بسبب تعرضه لحادث أو اخفاق أو مشكلة حياتية عامة.
2- يعمل على تخفيف ضغط الكبت حتى لا يحدث انفجار وحتى لا يتصدع وينهار بناء الشخصية الإنسانية.
3- اخفاء الأعراض العصبية وتحويلها الى مشاعر مسيطر عليها وليست مؤذية.
4- ازالة الأعباء النفسية الثقيلة التي يسببها الانفعال ومحو اثار الذكريات والصراعات اللاشعورية بمصاحباتها الإنفعالية المكبوتة تعتبر بمثابة حمولة نفسية داخلية لا تتناسب مع طاقة الإنسان على حملها.

استراتيجيات التنفيس الإنفعالي
من الجزئيات التي تشكل في مجملها استراتيجيات للتنفيس الإنفعالي وتبدد خطره وربما تمحو اثره هي:
1- الكتابة فبها يستطيع الإنسان فضح مشاعره والتعبير عن عواطفه بسرية تامة، مما يجعله يفرغ ما يؤذيه دون اطلاع احد لتفادي الحرج واللوم الذي قد يتسبب به الاصدقاء أو الاهل.
2- يستطيع الإنسان أن يتحدث الى شخص قريب له؛ شريطة أن يكون حافظاً للسر ومؤتمناً على ما يقال، وأن تعذر ذلك، فالأولى أن يتكلم مع نفسه بصوت عالٍ وتفريغ ما يزعجه وهكذا يساعد نفسه في تخفيف توتره.
3- ممارسة الرياضة كلعب كرة القدم، أو كرة السلة، أو السباحة، تساعد على آخراج الطاقة السلبية من داخل الإنسان وتبديلها بطاقة إيجابية، وهنا نود الاشارة الى أن الرياضات التي تعتمد على استخدام اليدين تكون اكثر سرعة وفعالية في التنفيس.
4- التتنفيس بالرسم يُعد إحدى أدوات استخراج المشاعر السلبية وفي الغالب يستخدم مع الاطفال للتعبير عن عواطفهم، لعدم مقدرتهم على التعبير الدقيق اثناء الكلام.
5- النوم هو الآخر له مردودات عضوية ونفسية تسهم في الاسترخاء وهو طريقة مهمة للتنفيس.
6- كما البكاء هو آخر العلاج فإن فشلت جميع تلك الامور؛ فهو الذي ينتشل الإنسان من المشاعر المكبوتة ويشعره بالراحة، وذا هو المقصد الذي نطلبه كي لا تسيطر علينا انفعالاتنا وربما تقتلنا أو تقتل من حولنا.

عن المؤلف

عزيز ملا هذال/ ماجستير علم النفس

اترك تعليقا