في المقالة الاولى ذكرنا ان الصحة الجسدية و النفسية هما من اهم ضروريات الحياة، و الإنسان الذي يُعاني من مرض جسدي او نفسي، وان كان في كثير من الاحيان غير مذنب في مرضه، لكنه في جميع الاحوال محروم من نعمة، بل ومحروم على قدر مرضه من اداء الكثير مما يحب الانسان بطبعه ان يفعله لنفسه او لغيره.
وبعضنا يبقى يعاني من امراض جسدية او نفسية نتيجة مفاهيم خاطئة شاعت في المجتمع وتطبع الناس عليها، فصارت سبب في حرمان الكثيرين من نعمة العلاج المناسب الشافي للمرض، او على الاقل المخفف لضرره.
من المعروف في مجتمعنا للاسف هو إعراض البعض عن العلاج النفسي، او زيارة طبيب الامراض النفسية، او اخصائي علم النفس، فبعضنا يعتقد ان الإنسان بين حالتين، هما: الجنون او عدمه، ولا ثالث بينهما.
وفي الواقع، ان الامراض النفسية والمشاكل النفسية هي كثيرة كالامراض الجسدية لا يحصيها مقال واحد، ففيها الحادة التي تعرض لفترة محدودة، والمزمنة التي قد تستمر مع الانسان، لكن لكلا الحالتين علاج مناسب كشفاء او تخفيف ضرر.
من المعروف في مجتمعنا للاسف هو اعراض البعض عن العلاج النفسي او زيارة طبيب الامراض النفسية او اخصائي علم النفس، فبعضنا يعتقد ان الانسان بين حالتين، هما الجنون او عدمه، ولا ثالث بينهما
والعلاج لا يكون دائما بالادوية، فللادوية اوقاتها وطرقها وضرورياتها، لكن بالمقال لدينا العلاج بالجلسات التي يجريها اخصائي علم النفس او المعالجين النفسيين او المستشارين النفسيين وحسب تخصصهم، هذه الجلسات لا تعتمد اعطاء اي شيء معين، بل ترتكز الى مراحل سأذكر منها ثلاثة:
المرحلة الاولى: للاستماع، ليستمع المعالج النفسي للمراجع بشكل كامل وبدون اي احكام مسبقة، والهدف هو جمع معلومات كافية عن المشكلة.
المرحلة الثانية: هي مرحلة فهم المشكلة، حين يقوم المعالج مع المراجع بمراجعة كل ما يتعلق بالمشكلة للبحث عن جذورها ومسبباتها وقد يرجعون في اغلب الاحيان الى فترة الطفولة وما مر بها الشخص المعني للبحث عن اي جذور يغفل عنها المراجع نفسه.
والمرحلة الثالثة: هي مرحلة تحت العلاج، والذي قد يكون في بعض الاحيان على شكل جلسات يبين فيها المعالجون طرق واستراتيجيات تساعد المراجع في التخلص من المشكلة بطرق ثبتت فعاليتها علميا وذات آثار ملموسة.
بالطبع قد يستخدم المعالجة مجموعة من الطرق لا يكون لكل واحدة آثرا كافيا لو كانت منفردة، لكن الفائدة الحقيقية تأتي – في بعض الاحيان – من جمع عدة طرق بسيطة وسهلة التطبيق.
كذلك لا يمكن تغافل الأثر في الاستمرارية، بل عدم الاستمرارية هي احدى اكبر التحديات التي يحاول المعالجون بتجنبها عند اتباع نظام الجلسات المتعددة، فالكثير منا يستصغر الامور البسيطة والسهلة، فلا يعطيها اهمية وتكون نتيجتها النسيان او التأجيل المستمر، والنتيجة ضياع الفائدة.
الامور التي تكون عادة خارج تحكمنا تكن هي مصدر قلقنا، لشعورنا بالعجز امامها، على عكس الامور التي تكن تحت سيطرتنا، والتي هي فعلا تحتاج الى ان نقلق بشأنها لنهتم بها ولا نغفل عنها
ولتبيان بعض الطرق البسيطة والفعالة التي يتبعا اخصائي علم النفس في علاج الإدمان باغلب انواعه – ولا اعني انها الطريقة الوحيدة التي ان فشلت فشل العلاج النفسي، بل في اكثر الاحيان يكون العلاج فرديا حسبب المسبب – هي طريقة استخدام مفكرة المشاعر او المفكرة اليومية.
وتكون بأن يدون الشخص كل يومياته ومشاعره بشكل فوري، ويدون كل مرة قام بالعادة السيئة التي ادمن عليها، كمشاهدة الاباحيات او التدخين او استخدام الهاتف المطلق او اي امر ادمن عليه ولا اقصد المساواة بين هذه الامور.
وان يدون التأريخ والوقت وما سبقها من شعور وما تبعها، والغاية ان يكون الشخص اكثر وعيا لنفسه وحاضراً في افعاله، لغرض كسر دائرة العادة التي يعتاد الانسان على فعلها بشكل تلقائي من غير ادراك او حضور ذهني لما يفعله.
ومن الطرق الفعالة والجميلة والفعالة في التعامل مع الضغط النفسي والقلق الذي صار جزءاً من حياتنا اليومية حتى اعتدنا عليه وتوهمنا ان لا يمكن التخلص منه. يوصي اخصائي علم النفس الناس الى تقسيم مصدر القلق الى نوعين : ما نتحكم به، وما لا نتحكم به.
فالامور التي تكون عادة خارج تحكمنا تكن هي مصدر قلقنا لشعورنا بالعجز امامها، على عكس الامور التي تكن تحت سيطرتنا والتي هي فعلا تحتاج الى ان نقلق بشأنها لنهتم بها ولا نغفل عنها؛ لنضرب مثال من حياتنا اليومية:
الطالب او الأم ليلة الامتحان او قبله بيوم او يومين، قد يشعرا بالقلق والضغط النفسي نتيجة قرب الامتحان، بالعادة يمكن تقسيم مصدر القلق على امرين: الاول؛ هو ان تكون الاسئلة صعبة، والثاني؛ هو عدم الجاهزية للامتحان.
إذا نظرنا للاول، نجده خارج تحكمنا، ومهما ما فكرنا به وقلقنا بسببه لم نستطع تغييره، والثاني جاهزيتنا، وهذا الامر تحت سيطرتنا فنحن من ينظم الوقت ويبذل الجهد المطلوب.
وبالعادة يسلب الاول وقتنا وطاقتنا بالتفكير به لاننا نشعر بالعجز امامه، فيسلبنا حتى التركيز في بذل الجهد على الامر الثاني الذي هو تحت سيطرتنا وما يجب ان نفعله.
ولمعالجة المشكلة، نحتاج لمصارحة انفسنا بوضع الاول في خانة ما هو خارج سيطرتنا وان نعترف لانفسنا ان هذا الامر خارج تحكمنا وصرف التفكير فيه لا يأتي باي منفعة، وبالمقابل نضع الامر الثاني في خانة ما نتحكم به ونبدأ بالتفكير في كيفية التحكم به بشكل واقعي وحسب ما يتوفر لنا من وقت و طاقة وان نبذل جهدنا في ما نملك وليس ما نتمنى ان نملك.
إن فائدة تطبيق هذه الطرق البسيطة والسهلة مشروط بالاستمرارية، فالبداية هي الاصعب حتى تتحول الى عادة يومية سلسة لا تحتاج الى محفز للقيام بها، فالبداية تحتاج الى محفز، لكن العادة لا تحت لذلك.
وما ذكرت عن علم النفس هو قطرة من بحر، وربما انا المتطفل على هذا الاختصاص العميق، وفي الحلقات القادمة من سلسلة لحياة افضل، سنذكر سوية بعض المفاهيم المغلوطة في مجتمعنا ومقترحات لحلول. سائلين العلي القدير ان يوفقنا واياكم لاتباع الحق بتواضع ورغبة، والتمسكم الدعاء.