بصائر

من يقود الناس الى سفينة النجاة وينير دربهم بمصباح الهدى؟

اذا كان سيدنا وحبيبنا وقدوتنا وشفيع ذنوبنا الامام الحسين، عليه السلام، مصباح هدى وسفينة نجاة، فمن يحمل هذا المصباح اليوم؟ ومن ربان السفينة؟ واذا رأينا الناس اليوم لا يزالون …

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ * لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ* وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ}.

(آل عمران: 185- 187).

اذا كان سيدنا وحبيبنا وقدوتنا وشفيع ذنوبنا الامام الحسين، عليه السلام، مصباح هدى وسفينة نجاة، فمن يحمل هذا المصباح اليوم؟ ومن ربان السفينة؟

واذا رأينا الناس اليوم لا يزالون يحتاجون الى الهدى ومصباحه، والى السفينة ونجاتهم بها، فالسؤال هنا؛ لماذا – إذن – مع وجود هذا المصباح وهذه السفينة، لا يزال الناس في التيه ولا يزالون يغرقون في لجج الابتلاءات والفتن؟

في مثل هذه الايام ومع حلول مناسبة من اعظم المناسبات حيث شهادة الامام الحسين، عليه السلام، وحيث الدنيا تقوم ولاتقعد، يجدر بنا ان نتساءل: من الذي يحمل هذا المصباح لينير درب التائهين، ويقود هذه السفينة حتى ينقذ الناس الذين لا يزالون يغرقون هنا وهناك؟

ببساطة وبصراحة، حين قال نبينا الاكرم، صلى الله عليه وآله وسلم: «العلماء ورثة الانبياء»، وقال الامام الحسين، عليه السلام: «إن مجاري الامور بيد العلماء بالله الامناء على حلاله وحرامه»، فانهما حددا من يحمل المصباح ويقود السفينة اليوم. إنهم العلماء.

فنحن لايمكننا ان نبرئ انفسنا اذا وجدنا الناس يتيهون او يعيشون الظلمات ويغرقون في الفتن والابتلاءات، ونقول: وما علينا؟!

بلى؛ علينا، ونحن مسؤولون. لابد ان نرجع الى انفسنا ونحاسبها.

 

  • لسنا فوق المحاسبة والقانون والوحي

أيها الاخوة الفضلاء خطباء المنبر الحسيني!

إن من اعظم ما يُبتلى به الانسان، ما ابتليت به اليهود قبلنا حينما قالوا بأن الله لا يعذبهم، بمعنى ان الانسان يبرئ نفسه ويزكيها ويجعلها فوق المحاسبة والمساءلة، وفوق القانون، بل وفوق الوحي.

نحن لسنا معصومين، وعلينا ان ننفتح على النقد البناء الذي ينتقده الآخرون، فليس احد بأعظم من أن يقال له: اتقِ الله، وألاّ يكون ممن يقول عنه الرب تعالى: {أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ}، (سورة البقرة: 206).

اذا كانت هناك مشاكل في البصرة وغيرها، من أزمة مياه وماشابه، واخرى في بغداد في الصراع بين من لا ينبغي ان يكون بينهم صراع، واذا كانت هناك مشاكل في ثقافة الناس، كأن تكون ثقافة محدودة او ناقصة او مغلوطة، ومع هذا السيل من الهجمات الثقافية التي تنهال علينا من مكان، عليّ ان اتحمل مسؤوليتي، واقول: بلى؛ انا مسؤول ايضا، فأين المشكلة عندي؟

في ظني أن ما سأقوله هو بعض الحل وليس كله، فالفقهاء والحكماء والخبراء والعلماء يجب ان يجلسوا ويفكروا ويخططوا، لإن القضية ليست ببسيطة، انها مصير أمة، هنا العراق وليس «جزر الواق واق»، انه بلد الرسالات والانبياء والائمة والحضارات، واكاد اقول عنه: إن صَلُح صَلُح العالم. فعلينا ان نفكر جديا ومليا بالحل، والحل الجزئي الذي اقوله هو التالي:

 

  • الخطيب الحسيني يتحدث باسم الدين

اولا: إن مصباح الهدى هو سيرة الامام الحسين، عليه السلام، وكلماته ومصائبه وشعائره، بيد أن تطبيق هذه السيرة والكلمات وهذه الشعائر على الواقع، من مسؤوليتنا اليوم، وهي وضع النقاط على الحروف، وأن نطبق الكلمات والشعائر على الواقع، ولذا يجب ان يقول العالِم كلمته.

ثانيا: وهكذا السفينة؛ هي بالتالي بحاجة الى من يدعو الناس اليها حتى يركبوها، فالذي يدعو الى ركوب هذه السفينة هي الحوزات العلمية، وفي قمتها المرجعيات ومن ثم الاساتذة وعلماؤها الفضلاء، ومن ثم الخطباء الذين لهم دور عظيم، وقديما كانوا يقولون: «ان الخطباء سيوف المراجع».

إن الخطيب الذي يرتقي المنبر إنما ينطق باسم الدين، وباسم الامام الحسين واهل البيت، عليهم السلام، وايضاً باسم المرجع، وباسم الاحكام الشرعية التي يبينها المرجع، فهو حلقة الوصل بين علماء وفضلاء الحوزة وبين الجماهير.

ان الخطباء اذا تحدثوا عن التاريخ وعن الشعائر وعن مصائب اهل البيت، عليهم السلام – عليهم أن لا ينسوا الواقع الحاضر، وأن يربطوا بينه وبين ذلك التاريخ.

 

  • لنتعلم من مدرسة عاشوراء

أيها الاخوة خطباء المنبر!

نحن ينبغي ان نفكر ونتلمس ونشخص الامراض والاعراض والانحرافات والازمات في مجتمعنا، وحين نبحث في التاريخ، ولاسيما في تاريخ وسيرة الامام الحسين، عليه السلام، وفي عاشورائه واربعينه، علينا ان نأخذ منها دروسا وعلاجا وحلولا لما نواجهه في واقعنا، فعاشوراء وكربلاء الامام الحسين عليه السلام مدرسة كبيرة وجامعة عظيمة. فاذا وجدنا الناس يستأثرون نتحدث لهم عن إيثار ابي الفضل العباس عليه السلام، واذا وجدنا تخاذلا نحدثهم عن اصحاب الامام في كربلاء كيف كان احدهم يوصي الآخر عند وفاته بنصرة الحسين عليه السلام، اذا وجدنا تهربا من المسؤولية تحت بعض التبريرات، نذكرهم بكلمات الامام الحسين عليه السلام ومنها كلمته العظيمة حينما قال:»هيهات منا الذلة»، واذا كان الناس مصابين بالاحباط والتشاؤم ويفكرون في المصائب والمتاعب ويضخمونها، ويبحثون عن المكاسب فقط، نقول لهم اجلسوا واستمعوا الى الصديقة الصغرى زينب الكبرى، عليها السلام، كيف خاطبت ذلك الطاغية وقالت كلمتها العظيمة:» مارأيتُ إلاّ جميلا».

إذن؛ هذه مدرسة كربلاء، والمعلم فيها انتم، اخواني الافاضل الخطباء، وكلٌ في حدوده وقدرته، والآن هو وقت العلماء والفقهاء، والخطباء بالذات، هذه مناسبتهم، ان يقولوا للناس: انتم إخوة، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}، (سورة الحجرات: 10) فلماذا تنتشر هذه الاغلال والنزاعات والاحقاد والغلظة في المجتمع بين الناس، ومنها ما يقع بين العشائر من نزاعات تصل الى سفك الدماء وسلب الممتلكات وغيرها من التصرفات التي لايقرها دين ولاقانون؟

ربنا – تعالى – يقول {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}، (سورة آل عمران: 185). فالموت ضرورة وسنة وقدر محتوم علينا، اذن فنحن اذا كنا نهاب شيئا فلا شيء اخطر من الموت، واذا سقطت هيبة الموت امام المؤمن فلا يهاب بعده شيئا {وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}، فلا تبحثوا عن مكاسب الدنيا، العلماء بحق يعيشون كما الآخرين، ولكن لا يأبهون بحطام الدنيا ومكاسبها لان اجرهم العظيم عند الله تعالى. وفي الرواية عن النبي الاكرم، صلى الله عليه وآله وسلم: «مداد العلماء خير من دماء الشهداء»، لأن بفتاوى العلماء يذهب المجاهدون للجبهات ويختار الله بعضهم للشهادة، فكل ما أوتي العلماء في الدنيا فهو اقل مما اعد لهم الله في الآخرة، ولعل اعظم اجر للعالِم في الآخرة هي الشفاعة، وقد جاء في الحديث عن الامام علي، عليه السلام: «ثلاثة يشفعون إلى الله عزّ وجلّ فيشفّعون: الأنبياء، ثم العلماء، ثم الشهداء».

أيها الاخوة: لاتأخذكم في الله لومة لائم، لا تخافوا اللائمين، فهذه المواقف والكلمات السيئة التي تواجهونها كانت قديما، ولاتزال، وتستمر، وكل الانبياء وكل الائمة وكل العلماء تعرضوا للوم اللائمين، وانتم ايضا في نفس الطريق.

نحن الآن امام استحقاق كبير في العراق، ونسأل الله ان يوفق شعبنا في هذه اللحظة الحاسمة لانتخاب افضل ما يكون فيما يرتبط بالحكومة القادمة، صحيح أن الامور بيد الله – تعالى -، ولابد ان نجأر اليه سبحانه، فهذا امتحان عظيم، هذا الخلاف الذي وقع بين الاخوة ليس محبذا، وبعون الله لن يقعوا في بؤرة الصراعات اكثر ويجروا البلد الى ما لا يحمد عقباه، ولكن مع ذلك فإن هذه الخلافات تحجبهم عن خدمة الناس واداء مسؤولياتهم الحقيقية المناطة بهم، فاذا كان كل منهم من الصباح الى الليل يفكر في كم نائب معه ومن ضده، و”ما هي حصتي وحصتك”؟! فهل سيفكر – على سبيل المثال – في حل مشكلة الماء والكهرباء والبطالة؟!

بالطبع لا. يجب ان تكون هذه الخلافات محدودة ومضبوطة، والسعي لحلها وفي وقت واحد، وهناك من نرجع اليه، فاذا كنتم مؤمنين بالدستور ارجعوا اليه، واذا كنتم مؤمنين بالقيادة الدينية، بالمرجعية الدينية التي تؤمنوا بها فارجعوا اليها وفضوا الخلافات وابدأوا بالعمل.

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا