“من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم، ومن سمع رجلاً ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم“.
رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم
تزامن احتجاج المسلمين في الهند وجود الرئيس الاميركي دونالد ترامب في نيودلهي ضد قانون الجنسية الذي اقترحته الحكومة لتجنيس المهاجرين غير الشرعيين من باكستان وافغانستان وبنغلادش، وهم من السيك والهندوس بدعوى تعرضهم “للاضطهاد الديني”، لعلّ صوتهم يصل الى ترامب والى العالم وليعرف كيف أن رئيس الحكومة الهندية ناريندرا مودي، يسعى لتهميش الوجود الاسلامي في الهند، ويوظف قانون التجنيس لخدمة أغراض طائفية ودينية في دولة يفترض انها تلتزم بمبادئ العلمانية والديقمراطية التي يفترض ان تجعل الدين شرطاً للحصول على الجنسية.
علماً أن المسلمين كانوا قد نظموات مسيرات احتجاج منذ شهر كانون الاول من العام الماضي، شملت ولايات؛ تاميل نادو، و كيرالا، و أندارا براديش، وغوجارات.
المسلمون في الهند يتصدّون بقوة لقانون تفرضه الحكومة يتيح لآلاف المهاجرين غير شرعيين من الهندوس والسيك القادمين من دول مجاورة بالحصول على الجنسية الهندية
جُنّ جنون المسؤولين في نيودلهي، لاسيما الهندوس منهم، وهم يرون غمامة سوداء تحوم حول زيارة الرئيس الاميركي الى ديارهم، وقد أعدوا لها مسبقاً لتكريم هذا الضيف الكبير بالنسبة لهم ولمصالحهم في المنطقة والعالم.
وسائل الإعلام المحلية بدلاً من أن تبذل اهتمامها في صفحاتها الورقية الاولى، وفي مواقعها الالكترونية، لزيارة ترامب، راحت تغطي احداث الهجوم الهندوسي على بيوت ومساجد المسلمين في أحياء ذات اغلبية مسلمة مثل؛ موجبور، ومصطفى آباد، وجعفر أباد، وشيف فيهار وتنشر صوراً للدمار والمباني المحترقة وأجزاء من القرآن الكريم متناثرة على الارض، ونساء واطفال مذعورين أخفوا انتمائهم الى الاسلام ولجأوا الى بيوت جيرانهم من الهندوس.
ثمة روايات عديدة من ساحة الاحداث تناقلتها وسائل الاعلام، منها: أن رجالاً يحملون العصي والقضبان جاؤوا الى حي “شيف فيهار”، شمال شرق العاصمة نيودلهي، و أوهموا النساء اللاتي كن وحيدات في المنازل يوم كان الرجال مشغولين في الاعتصام بالعاصمة دلهي، بأنهم جاؤوا ليحمونهم، لكن ما لبثوا –تقول النسوة السلمات- أن بدأوا يرددون “شعارات عدائية ضدنا” وبدأوا بحرق المحال التجارية والبيوت والمساجد.
حتى الآن لا يمكن الاعتماد على احصائية دقيقة لعدد الشهداء والجرحى من المسلمين في الهند طيلة الايام الماضية لعدم وجود مراسلين او اطراف دولية محايدة تقف على حقيقة ما جرى من احداث قتل وحرق وتدمير ضد المسلمين، بيد أن بعض المصادر تحدثت عن حوالي أربعين شهيداً وعدد كبير آخر من الجرحى.
أما عن دوافع المسلمين للاحتجاج على قانون التجنيس الجديد بأنه يحمل اهدافاً دينية واضحة تستهدفهم، حيث طرحت الحكومة الهندية مشروع قانون في البرلمان يعرض العفو عن المهاجرين غير الشرعيين من غير المسلمين من دول الجوار الثلاث.
وتسعى الحكومة من وراء تلك الخطوة “المثيرة للجدل إلى منح حق المواطَنة للأقليات الدينية الوافدة من تلك الدول”، حسب بي بي سي، و تقول الحكومة، التي يقودها حزب بهاراتيا جاناتا (حزب الشعب الهندي الهندوسي)، إن ذلك سيوفر “ملاذا للفارّين من الاضطهاد الديني”. بينما يقول المناهضون إن مشروع القانون جزء من برنامج الحزب الحاكم لتهميش المسلمين.
ويعرب المسلمون في الولايات المتاخمة للدول الثلاثة عن مخاوفهم من تدفق آلاف الوافدين الجدد اليها وهم يحظون بحماية قانونية من الحكومة الهندية.
-
الضمير الاسلامي في إجازة!
لو طرق سمع أي انسان مسلم في الشرق الادنى (العراق وسوريا والجزيرة العربية)، او الشرق الاوسط (من افغانستان وباكستان وحتى مصر والسودان)، تفاصيل ما يجري للمسلمين في الهند، فانه سيجيبك على الفور: “آه…! ومن لي وانا غارق في محنة الحرب الاهلية (في سوريا)، وفي محنة الازمة السياسية (العراق)، وفي محنة الازمات الاجتماعية والاقتصادية (الخليج)، وفي محنة السلطة (مصر)، وفي محنة الاطماع التوسعية (تركيا)، وفي محنة الارهاب الطائفي (افغانستان وباكستان) وهكذا… لاسيما وأن القنوات الفضائية؛ العالمية منها، والمحلية تكرّس هذا الشعور لدى المشاهد المسلم، وهي لا تبرح عن اهتمامها بأمور بات مكررة تبعث على الاشمئزاز مثل الحرب في سوريا، وأزمة الحكم في العراق، والتنافس المحموم على ليبيا، بينما يغيب عن نشرات الاخبار في الفضائيات المحسوبة على البلاد الاسلامية قضية شعب مسلم يتعرض لهجوم شرس، لا لجرم او خطأ ارتكبه سوى أنه أبدى رأيه في قضية قانونية وحسب.
مراسل بي بي سي: “جموع الهندوس جردوا طفلا لم يتجاوز عمره العامين من ملابسه ليتأكدوا عما إذا كان مختونا أم لا، ذلك أن الختان عادة إسلامية وليست هندوسية”!
الموقف الحازم والصريح من حكومات دول اسلامية، ومؤسسات دينية، وثقافية، وحقوقية حول العالم، لن يكلف كثيراً لطلب التوضيح –على الأقل- من الحكومة الهندية لما يجري، وشرح اسباب غضّ الطرف عما ترتكبه مليشيات هندوسية ضد المسلمين العزّل، ولماذا لم توفر الحماية لهم وفق الدستور العلماني الذي يفترض ان يحترم حرية التعبير والعقيدة.
في بعض وسائل الاعلام يتم الترويج على أن الهند أفضل دول العالم نجاحاً في تطبيق الديمقراطية والتعددية المذهبية مع توفير أقصى درجات الحماية لحقوق المواطنين، رغم وجود مئات الديانات والمذاهب المختلفة، ولكن يبدو أن الجميع يعيشون بسلام وهناء، سوى المسلمين.
إن سياسة التهميش والاضطهاد التي تمارسها الحكومة الهندية ذات النزعة العنصرية الواضحة، تمثل امتداد لسياسات الاضطهاد التي تمارسها جميع الحكومات والانظمة السياسية في بلادنا الاسلامية، ضمن منظومة سياسية واحدة تنتهك حقوق الانسان بمختلف الاشكال وتحت ذرائع شتّى، منها؛ “حفظ الأمن”، او “السيادة الوطنية” وغير ذلك من المبررات، مما يجعل قضية المسلمين في الهند هي قضية كل مسلم في البلاد العربية والاسلامية.
-
شرطي هندوسي وكاتب بريطاني
افردت “بي بي سي” تقريراً خاصاً تحت عنوان “شرطي هندي يتجاوز القانون لانقاذ عائلات من الموت حرقاً”. ويتحدث التقرير عن شرطي هندي من الطائفة الهندوسية، يخدم في منطقة مجاور لمنطقة الاحداث التي وقعت مؤخراً، ويفترض ان لا يتدخل في أمور خارج نطاق مسؤوليته، بيد أن النيران التي كانت تندلع في البيوت وتهدد النساء والاطفال بالحرق دفعت هذا الشرطي لأن يخترق الاجراءات الروتينية ويفضل الدور الانساني على كل شيء وينقذ النسوة المسلمات وسط تهديد للجماعات الارهابية التي لم تكف عن رشق الحجارة باتجاهه –كما تحدث لبي بي سي- وفي ظل غياب ملحوظ ومريب من الشرطة المحلية الخاصة بتلك المنطقة.
وبعيداً عن الهند بآلاف الكيلومترات، وتحديداً من العاصمة البريطانية لندن، ومن على صفحات “انديبندنت” كتب المراسل والصحفي المعروف باهتمامه بالقضايا الاسلامية؛ باتريك كوكبيرن، حول ما جرى من أعمال عنف وحشية ضد المسلمين، منتقداً صمت الحكومة الهندية إزاء ما جرى. وقال: في تقرير نشرته الصحيفة مؤخراً: “إن الشرطة الهندية تركت المسلمين دون حماية تُذكر، مشيرا إلى أن سبعة وثلاثين شخصا من المسلمين قُتلوا وتعرض كثيرون آخرون للضرب حتى شارفوا على الهلاك”، وتابع بالقول “إن جموع الهندوس جردوا طفلا لم يتجاوز عمره العامين من ملابسه ليتأكدوا عما إذا كان مختونا أم لا، ذلك أن الختان عادة إسلامية وليست هندوسية”.
واضاف الكاتب البريطاني الذي تابع سرد وقائع ما حدث ذلك اليوم قائلا: “إن بعض المسلمات تظاهرن بأنهن هندوسيات لكي يتمكن من الفرار بجلدهن”!
ووصف رئيس الوزراء الهندي وحزبه بهاراتيا جاناتا في تبنيهما القومية المتطرفة واستعدادهما لاستخدام العنف، بأنهما “أقرب الأنظمة اليمينية المتطرفة إلى الفاشية التقليدية”.
ولو أن الصمت الإسلامي إزاء قضايا الشعوب الاسلامية ليس جديداً، لاسيما ما يتعلق بالمسلمين في الهند، ليس الآن، وإنما منذ عقود مضت، وتحديداً في ولاية كشمير، بيد أن استمراره يجعل رئيس الحكومة الهندية أكثر جرأة على تحدي القوانين والاعراف الدولية والانسانية لخدمة مصالحه القومية والسياسية والمضي قدماً في تجاهل حقوق المسلمين رغم أنهم يشكلون حوالي خمس الشعب الهندي، أي بواقع 200مليون نسمة.
احسنتم حقيقة ما يحدث في الهند كارثة