التذكير.. مهمة الأنبياء وطريق النجاح
|
*علي ضميري
يعيش الإنسان في الحياة، ويخوض تجاربها الجميلة والمريرة، ولكن تقلّبات الحياة من ناحية، ومستواه العلمي أو الإيماني والنفسي، من ناحية أخرى، يؤدي به إلى الغفلة تارة، والتغافل تارة أخرى، ولعل الغفلة عن أصول الحياة وقواعدها تدخل في طبيعة تكوين الإنسان وهي حالة تعد من صميم وجوده.
لكن في الوقت نفسه هناك أموراً جُعلت للانسان من شأنها أن تكبح جماح حركته الانحرافية، وتعيده إلى جادة الحق، ومن هذه الأمور؛ وجود العقل ونمط التفكير، إضافة إلى تمتعه بعامل الإرادة التي لها أن تقوده إلى حيث الإيجاب والصح، ومع وجود العقل والارادة عند الانسان، يأتي عامل التذكير والنصح ليكون الماء الطيب الذي ينساب من عين العقل فتعشوشب نفس الانسان ويجد فيها الصلاح والفلاح.
وليس خافياً، أن الله سبحانه وتعالى جعل لهذا العامل الدرجة القصوى من الأهمية، حتى أنه بعث إلى الناس أفضل مخلوقاته، وهم الأنبياء والمرسلون ومنهم وأشرفهم رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله)، وهو الذي يتمتع بأسمى صفات الرفعة والكمال، حيث اختصّه الله تعالى بها، ثم أوكل إليه مهمة التذكير والنصيحة للناس، فقال عز اسمه مخاطباً نبيه الأكرم: "فذكّر إنما أنت مذكّر"، وهكذا هي مهمة الأنبياء والأئمة والعلماء والمصلحين جميعاً، حيث لم يفوّضهم الله تبارك وتعالى، بتغيير أفكار وإرادات الناس بالقوة، وإنما أرسلهم الله بمهمة تذكير الناس بما غفلوا عنه من الحقائق، بعد أن وقعوا عرضةً للغفلة والنسيان، بسبب المعيشة التي اختاروها لأنفسهم، أو الظروف المحيطة بهم.
فإذا عرفنا أن أشرف الخلق عبر التاريخ قد خصّهم الله سبحانه وتعالى بمهمة تذكير الناس، والتوجّه إليهم بالنصائح، تتضح لنا عظمة هذه المهمة وتأثيرها البالغ على الإنسان والمجتمع والتأريخ على حدٍّ سواء، فالتذكير يجسد ويمثّل نقطة التحوّل وصناعة التغيير والانقلاب على النسيان وعلى مساوئ الذات وعلى الأخطاء التي قد يكون الإنسان ارتكبها خلال غفلته أو تغافله.
إذن، فالتذكير والنصيحة، مهمة مقدسة من جانب المذكّر الناصح، لأن غايتها العودة بالغافل أو المتغافل إلى حيث الصواب والحق والصحيح.
ولاشك أن لهذه المهمة آدابها وأصولها، ومن أهم هذه الآداب والأصول؛ أن ينطلق الناصح والمذكّر من محبته وتعاطفه مع من ينصحه ويذكّره، ثم عليه أن يختار الأسلوب المناسب والمؤثر بالشخص الذي يريد أن ينصحه، وهناك التزام آخر ينبغي أن يؤخذ بالحسبان، وهو خاص بنوع الموضوع والمسألة مورد النصيحة، ثم إن الناصح المذكر يتوجب عليه أن يكون عاملاً بالنصيحة قبل أن يتوجّه لغيره بها، ومالم يتنبّه المذكّر الناصح لهذه الحقيقة، فهو إنما يؤدي المهمة بطريقةٍ معكوسة، حتى يتبعها ردّ فعل مغاير تماماً، ولعل الشخص الذي يراد نصيحته، يجد في نفسه الشجاعة للرد على الناصح، فيؤنّبه على عدم التزامه هو بما ينصح، ولو كان ما ينصح به جديراً، لكان قد التزم به هو قبل غيره، وقد عاب الله سبحانه وتعالى على قوم ينصحون غيرهم، دون أن يلتزموا بما ينصحون، فقال عزّ اسمه: "أتأمرون الناس بالبرّ وتنسون أنفسكم"؟
وهذا يعني: أن النصيحة ينبغي أن تكون فعلاً مباشراً وواضحاً من جانب الناصح، قبل أن تكون قولاً مجرداً، إذ أن الألفاظ تفقد قيمتها الحقيقية، مالم تترجم إلى أفعال على أرض الواقع، هذا وغيره من جانب المذكّر الناصح، ومن حيث النصيحة والتذكير، أما الشخص الغافل أو المتغافل، فهو مطالب بدوره أن يتخذ لنفسه طريقة ومنهجاً تمكنانه من العودة الى ذاته بين فترة وأخرى، ويتعامل مع مصيره على الأقل، كما يتعامل إزاء أمواله وتجارته، ليرى ماله وما عليه، كما يتوقع لمثل هذا الشخص أن يوفر الأرضية اللازمة في ذاته، ليستوعب النصيحة الموجهة إليه، فلا يواجه كل فعل أو قولٍ بعنادٍ ورفضٍ جاهل، فحيث لايجهد في تهذيب نفسه، وتنضيج عقله، ويبقى يعاني أزمة أو أزمات نفسية وفكرية تدفع به إلى الوراء فلا يحرز تقدماً ما في حياته.
إن من الضروري للانسان أن يتمسك بقاعدة عقلية، تجسد غاية النضوج الفكري والنفسي بكل روعته، وهي النظر والتحقيق في طبيعة النصيحة بغض النظر عن قائلها، فالشخص الذي تتوجه إليه النصيحة، مسؤول عن التعرف إلى دقائق النصيحة، دون أن يعكف على التعرف على مصدرها، وما إذا كان هذا المصدر، ملتزماً بما يقول وبما يفعل، لأنّ من كان قاصداً قطع أشواط الحياة بنجاح وتقدم، لا يولي اهتماماً كبيراً بمصدر من ينظّر للنجاح والتقدم، خصوصاً إذا تأكّدت له مصداقية النصيحة وصحة مسارها، مع معرفتنا المسبقة أن التزام الناصح بما ينصح، يعدّ من العوامل المهمة والمؤشرة في إحراز النصيحة لتأثيرها المطلوب، وقد قال أميرالمؤمنين (عليه السلام) بهذا الصدد: (لاتنظر إلى من قال، وانظر إلى ما قيل)، أي أن المطلوب أولاً، ينبغي أن تكون الحكمة والطريق إلى النجاح والموفقية والتقدم.
|
|