الايمان.. الطريق نحو الأمل والتفاؤل
|
*كريم محمد
يعد اليأس من جنود الشيطان واحابيله، ولكن المؤمنين يطردون اليأس بالأمل، ويدفعون ما يقذفه الشيطان في قلوبهم بنظرة الى رحمة الله الواسعة .
لقد كنا ذرات تائهة ثم اودعنا في اصلاب آبائنا، وكنا في بعض المراحل مضغا ثم اصبحنا اطفالا صغارا، وكنا ضعفاء فقوانا الله وحفظنا من المكاره، فلماذا لا نذكر رحمة الله؟ ومتى غيّر عادة الاحسان حتى نبحث عن غيره؟ انه يأتينا في كل لحظة، ويدعونا الى نفسه، وهو الذي خلق دارا لضيافته هيأ فيها كل اسباب الرفاهية والسعادة، فلنفكر في هذه السعادة .
ثم ان الله عز وجل لم يكتف بذلك بل بعث الدعاة اليه تلو الدعاة، والرسائل بعد الرسائل، فهل علمنا ان القرآن هو بطاقة دعوة لنا الى الجنة، يقول الله تعالى فيها لكل واحد منا: عبدي اني احبك، وقد خلقتك للبقاء لا للفناء، ولأرحمك لا لأعذبك، ولأدخلك جنتي، وفيها سأعطيك ملكا كبيرا، ونعمة واسعة، وحياة خالدة فماذا تريد اكثر من ذلك ؟
ان اقل اصحاب الجنة شأنا بامكانه ان يضيف اهل الدنيا كلهم على مائدة واحدة في بيته، وقد خلق الله عز وجل هذه الجنة للانسان المؤمن المتقي: "تِلْكَ الدَّارُ الاَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الاَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ " (القصص / 83) فالذي يريد الاخرة لابد ان لا يستعلي، ولا يطلب الفساد في الدنيا، فالذي خلق الجنة رحيم بنا، ويضمر الحب لنا .
*أحسنوا الظن بالله *
إذن؛ لا يخدعنا الشيطان ويسلب منا الأمل، وفي هذا المجال يروى عن أنس انه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لايموتن أحدكم حتى يحسن ظنه بالله عز وجل فان حسن الظن بالله عز وجل ثمن الجنة)، كما روي عن الامام الصادق (عليه السلام) انه قال: والله ما اعطي مؤمن قط خير الدنيا والاخرة الا بحسن ظنه بالله عز وجل، ورجائه منه، وحسن خلقه، والكف عن اغتياب المؤمنين، وأيم الله لايعذب الله مؤمنا بعد التوبة والاستغفار الا ان يسوء الظن بالله، وتقصيره من رجائه لله، وسوء خلقه، ومن اغتيابه للمؤمنين، والله لايحسن عبد مؤمن ظنه بالله الا كان الله عند حسن ظنه، لان الله عز وجل كريم يستحي ان يخلف ظن عبده ورجائه. فأحسنوا الظن بالله وارغبوا اليه وقد قال الله عز وجل: " الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء ". وحتى لو ارتكب احدنا كل الفواحش، وترك كل الحدود فان عليه مع ذلك ان لا ييأس من رحمة الله لان يأسه سيكون اشد من ذنوبه .
فلنزدد أملا بالله، وخشوعا له، وتضرعا اليه، ولنكثر من تلاوة القرآن الكريم الذي يخاطبنا قائلا: "إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَآئِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فإِذَا هُم مُبْصِرُونَ" (الاعراف / 201 )، فالشيطان يدور حول قلب الانسان، ويحاول ان يجد منفذا، ولكن المؤمنين يتذكرون، وتتصل قلوبهم بالله سبحانه وتعالى، فيطردون الشيطان، ويحددون مواقع الضعف في نفوسهم .
بينما غير المتقين يكونون على العكس مـن ذلك تماما، فهم يستمرون في الغي: "وإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ" (الاعراف / 202 )، فالشيطان يمني الانسان دائما، فيقول له - على سبيل المثال - انك لم تتزوج بعد وعندما تتزوج ستصبح انسانا كاملا، او انك لم تذهب الى الحج بعد وعندما تحج ستتحول الى انسان ممتاز و... وهكذا يظل الانسان يبحث دوما عن فرصة جديدة للهداية في حين ان فرص الهداية موجودة في ارجاء الحياة .
*بصائر تسقط الحجب*
والقرآن الكريم يحمل الكثير من البصائر التي تفتح اعيننا، فتسقط الحجب عن عقولنا، وتنفتح منافذ قـلـوبـنـا على الحقيقة كما يقول عز وجل: "قُلْ إِنَّمَآ اَتَّبِعُ مَايُوحَى إِلَيَّ مِن رَبِّي هَذَا بَصَآئِرُ مِن رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْءَانُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" (الاعراف / 203-204) ؛ أي تـدبروا في آياته، وتحسسوا ما فيه من تجليات هذا الكلام الالهي الذي لو وضع على الجبال لتصدعت على عظمتها لانها لا تستطيع تحمل تجلي الله .
ثم يقول عز من قائل: "وَاذْكُر رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ} (الاعراف / 205) اي اذكر ربك في كل الاوضاع والاحوال، وصل قلبك بمصدر الخير ؛ بالانيس الحبيب القريب .
يروى ان رجلا جاء الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال له: يا رسول الله هل ربنا بعيد فنناديه ام قريب فنناجيه ؟
وهنا يأتي الوحي الى قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله) مجيبا اياه :"وَإِذَا سَاَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَاِنِّي قَرِيبٌ اُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِيْ وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ" (البقرة / 186). فالله جلت قدرته، قريب منا بل هو اقرب الينا من حبل الوريد.
إذن، لنحاول ان نتصل بالله في جميع الاوقات "بالغدو والاصال" وان لا نكون من الغافلين، فالغفلة سبب لسقوط الانسان، فهو كمن يمشي على حافة جبل شاهق، ومجرد غفلة بسيطة تكفي لان يهوي الى وادٍ سحيق.
*الدعاء مخ العبادة*
يقول الباري عز وجل: "إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَيَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُون" (الاعراف / 206 )، وربما تعني هذه الاية انهم لا يستكبرون عن دعائه، لان الدعاء هو مخ العبادة، وهو رمز التضرع، وعلينا ان نطلب من الله، فهو غني رحيم، ولتكن ادعيتنا واسعة فليس من المستبعد ان يستجيب لنا الله مهما كانت طلباتنا، فنبي الله سليمان (عليه السلام) دعا ربه: "قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي" (ص / 35 )، وزكريا (عليه السلام) قال: "رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ" (الانبياء / 89) فوهب الله له ولدا رغم انه كان طاعنا في السن، وكانت زوجته عاقرا .
ان هذه اشياء غير محالة على الله جل وعلا، فعلينا عندما نطلب منه ان لا نطلب قليلا، بل علينا ان نطلب منه طلبات عظيمة من شأنها ان تسهم في نمونا الروحي وتكاملنا، وقبل كل ذلك يجب ان نطهر انفسنا من رواسب الذنوب التي ما تزال متراكمة على قلوبنا، فاذا بنا لا نستفيد الاستفادة المثلى من صلاتنا، هذه الصلاة التي يقول عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله ): (قرة عيني الصلاة).
كما وعلينا ان نكثف من الممارسات العبادية المستحبة لكي نكون مؤهلين للدخول الى الجنة، والفوز بدرجاتها العليا، من مثل الالتزام بأداء صلاة الليل، وتلاوة القرآن الكريم، صحيح ان الجنة هي رحمة الله الواسعة، ولكن هناك حسابات معينة فيها .
*الخضوع لله تعالى*
لندع الله سبحانه، وليكن املنا به عظيما، ولتكن همتنا عالية، وعلينا ان نعلـم ان المؤمنين يسجدون لله ولا يسجدون لغيره، وعند التسبيح ينزهون الله ويقدسونه ولا يقدسون احدا غيره كما يقول تعالى: "وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ" (الاعراف / 206 )، انهم لا يذهبون الى الحكام والملوك لكي يقدسوهم، ولا يخضعون لهذا وذاك، رغم انه ليس من السهولة بمكان مقاومة الانسان لصاحب سلطان او ثروة، لأن من الطبيعي ان يكون ضعيفا امام اغراء الثروة، وكذلك الحال بالنسبة الى السلطان، ولكن المؤمن الحقيقي لا يتأثر بذلك ابدا .
وفي هذا المجال يروي لنا التأريخ ان الحاكم الاموي سليمان بن عبد الملك بعث رسولا الى احد العلماء والفقهاء في المدينة المنورة ليخطب ابنته لابنه الوليد، وعندما قابل الرسول ذلك العالم قال له " لقد اصابك شرف عظيم ونعمة كبيرة، فقال العالم: وما هو؟ فقال: لقد أتيت من قبل الخليفة الذي يحكم ثلاثين بلدا في العالم الاسلامي لكي اخطب ابنتك لابنه، واما المهر فاننا سنجعلها في كفة ونجعل في الكفة الاخرى الذهب والفضة والاحجار الكريمة بقدر وزنها، ونعطيه مهرا لها، فما كان من ذلك العالم التقي الورع الا ان قال: حدثنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان الدنيا لا تعدل عند الله جناح بعوضة، وماذا يملك سليمان بن عبد الملك من هذا الجناح، اذهب فان الله سبحانه وتعالى يقول: "وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ" (التكوير / 8-9 )، فتعجب الرسول وقال: وما شأن هذه الاية بأبنتك؟ فقال العالم: وهل تريد وأداً أخطر من هذا الوأد، لقد كان الجاهليون يئدون بناتهم تحت التراب، فهل تريد مني ان أئد ابنتي واجعلها في الفساد والرذائل، وادفعها في قصور الملوك ؟
وهكذا فان هذا هو الايمان الحقيقي ؛ الايمان الذي يدفع صاحبه الى ان يتحدى الطغاة والجبابرة، ولا يتنازل عن عقائده ومبادئه خشية وخوفا منهم، وهذا الايمان هو الذي يبعث الامل في النفس الانسانية، ويجعلها تتغلب على العقبات، والصعاب التي تقف في مقدمتها تلك التي يضعها الشيطان الرجيم في طريق الانسان المؤمن .
|
|