سنة الرسول الأكرم ومواصفات القيادة
|
*يونس الموسوي
الجاهلون يردون على الله من حيث لايعلمون، فهم على سبيل المثال يفتون بجواز إتباع الحاكم الفاسق بينما القرآن الكريم واضح في هذا المعنى وهو يصدر حكمه الصريح في هذا المضمار من دون أي تردد، فالقرآن الكريم يوضح في هذه الآية الكريمة "وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا" (الكهف،28)، فهذه الآية واضحة في عدم جواز إتباع وطاعة الحاكم الفاسق مثل يزيد بن معاوية ومن يشبهه من الحكام الفاسدين الذين اتخذوا أهواءهم أرباباً من دون الله، والآية الكريمة يمكن تعميمها أيضاً لتشمل كل شخص يطلب الاتباع والنصرة، أو كل من يصدر الأوامر للآخرين إن كان ذلك في مؤسسة تجارية أو دائرة حكومية أو منطقة حزبية أو كان عالماً أو جاهلاً، فحتى لو كان هذا الشخص متقمصاً لشخصية علماء الدين وارتدى ملابسهم وكانت له سماتهم، لكنه غافل عن ذكر الله ويتبع هواه فإن طاعته ساقطة عن كل إنسان ذلك أن الاتباع لايكون إلا لله ولمن أمر الله باتباعه، فليس لأحد يقول أنا أمير فأتبع ولا من يضع نفسه موضع الأمراء والحكام والرؤساء فيقول اتبعوني، فإنه لابد وأن يأخذ الشرعية لحكمه وإمارته، فهذه الأرض كما هو واضح وكما نعلن دائماً هي ملك الله العزيز وهو الذي ينصب لإمارة هذه الأرض من يصلح لهذا المقام.
والاتباع هي ليست ميزة يحصل عليها رجل مؤمن كان أو غير مؤمن، بل هي مسؤولية تدل على طريق خاص يريده الله عزوجل وهو طريق الهدى، فالنبي لايفرض الطاعة على أتباعه من أجل أن يتأمر عليهم أو يحظى بميزة خاصة، وإنما هو يفعل ذلك لأن لديه علامات طريق الهدى.
وهذا هو الفرق الأساسي بين من يصح اتباعه وبين من لايصح، فالأول يهديك عند اتباعه إلى طريق الهدى وفي خاتمة الأمر إلى جنة الخلد، أما الثاني فهو لايهدي إلى شيء، لأن غاياته شخصية وطموحاته تقتصر على ما يراه مناسباً لمصلحته، وهذا ينطبق على أناس كثيرين نظنهم أهل صلاح وفلاح ولكنهم في ركب الهوى والمصالح الشخصية والفئوية.
فالقائد الحقيقي المسنود من قبل الله عزوجل وطاعته تكون مقبولة، هو القائد المتجرد عن كل أنا، ويكون في خدمة المبادئ والقيم وأيضاً في خدمة الأمة، فلو نظرنا إلى تاريخ رسول الله صلى الله عليه وآله سنجده المثل الأعلى والأبرز للرجل المتفاني في دينه والمتنازل عن كل أنانياته في سبيل تحقيق رفعة الدين والأمة.
وعادةً ما نرى أن السياسيين يقضون أعمارهم في العمل السياسي حتى يصلوا إلى المواقع القيادية عندها يبدأون بمرحلة جمع الغنائم، فالواحد منهم يقول لقد أفنيت عمري في السياسة وأتى الوقت الذي يجب أن أستفيد فيه وأحقق الأماني التي كنت أصبو إليها.
نقيض هذا المثل نقرأ عنه في تاريخ أميرالمؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) حيث سنلاحظ في تاريخه أن توليه لمسؤولية القيادة فرضت عليه أوضاعاً ومسؤوليات اكبر، فهو عليه السلام عندما تزعم قيادة الأمة الإسلامية لم يذق طعم المأكولات اللذيذة وإنما كان طعامه هو الخبز واللبن أو الخبز والملح!
هذه صورة وحالة القائد الأحق بالاتباع، وهناك صور أخرى تعرضها شخصيات أخرى تزعم أنها على الهدى والإيمان، كصورة معاوية بن أبي سفيان الذي كانت مائدة طعامه تشتمل على مالذّ وطاب من كل الأصناف.
إذن هناك صورتان لمنموذجين من القيادات التي تزعم أنها تسلك طريق الحق والهدى، وعلينا نحن البشر أن نفحص ونبحث عن القائد الحقيقي الذي سيوصلنا إلى الأهداف التي نرغب في تحقيقها في الدنيا والآخرة.
فكل القادة يزعمون أنهم على صواب ويريدون الخير لأمتهم والرفاهية لشعوبهم، لكن القليل منهم يكون صادقاً، ونحن نلاحظ أن أوضاع العالم تجري من سيئ إلى أسوأ، فهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على كذب إدعاءات هؤلاء الزعماء الذين يسيؤون التصرف أكثر من أن يحسنوا، أما إذا رأيتم القائد وقد حقق الانجازات في عهده فاعرفوا إنه القائد الصادق الذي يستحق قيادة الأمة.
وهناك إشارات واضحة في القرآن الكريم على أن يكون القائد على صلة بالسماء، ومعنى ذلك هو التأييد الإلهي للقائد في كافة قضاياه الدينية والسياسية والعسكرية وغيرها، فالقرآن الكريم يقول "وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ" (البقرة،120). ومعنى ذلك أنه سيخسر الدعم والعون والمدد الإلهي إذا اتبع أهواء أولئك الضالين، فالقائد هو بحاجة إلى الدعم الإلهي حتى يستطيع أن يقود الأمة إلى سبل النجاة، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يتبع أمر الله في كل صغيرة وكبيرة.
وهذه الفكرة تقودنا إلى حقيقة في غاية الأهمية وهي، أن تصحيح المسار القيادي لدى الأمة يأتي من الله، فلو أراد الله عزوجل بأمة خيراً بعث لها قائداً صالحاً، أما لو كانوا ضالين ومبتعدين عن الإيمان والتقوى، فإن الله سيبعث لهم قائداً ضالاً لاينفعهم ولاينفع نفسه، والقرآن الكريم يقول: "وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً" (النساء،83).
فالله سبحانه وتعالى هو الهادي لمسيرة المؤمنين وهو الذي يبعث إليهم الهداة والمرشدين، حتى لايضلوا ويبتعدوا عن طريق الإيمان، فنسأل الآن ونقول لماذا إذن إنحرفت الأمة الإسلامية؟ ولماذا حدث هذا الاختلاف بين المسلمين؟
الواضح من القرآن الكريم أن هدى الله في الأرض هو عبارة عن منهج متكامل شارك في تطبيقه رسول الله (ص) يعني أن الذي يطلب هدى الله لابد أن يسير على منهج رسوله "وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ" (غافر،38) فهم لن يهتدوا إلى سبيل الرشاد إلا باتباع رجل الإيمان، وآية أخرى "قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ " (آل عمران،31) وهنا أن محبة الله لهم مشروطة باتباع النبي، وآية ثالثة "وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ" (الأنعام ،153) فإذا كان صراط النبي مستقيماً، فلماذا إذن أصبحوا فرقاً وجماعات ومذاهب؟ ثم أن صراط النبي مستقيماً، انما الأمة هي التي انحرفت عن ذلك الصراط.
ولو قرأنا التاريخ جيداً سنجد أهم شرط وضعته الشورى بعد الخليفة الثاني لولاية علي بن أبي طالب صلوات الله عليه أن يتبع سيرة أو سنة الشيخين، فرفض الإمام فزويت عنه الامارة، إذن، لم يكن صراطاً واحداً ولم تكن سنةً واحدة، إنما كانت سنة رسول الله وسنة أبوبكر وسنة عمربن الخطاب!!
|
|