ميزان الحديث .. الصدق والمصداقية
|
*طاهر القزويني
بما ان الحديث والكلام الذي ينطقه الانسان من وسائل التعبير التي وهبها الله تعالى إياه، فانها تترك أثراً في الطرف المقابل بشتى الاشكال والأحوال.. وهي مسألة إيجابية وتُعد من مفردات الحياة ومقومات التطور والتقدم الانساني، لكن المشكلة تحصل عندما يضرب الحدّ الثاني لهذه الوسيلة في جدار المجتمع، ويكون هذا الحدّ أمضى وأسرع الى التأثير من الحد الأول، ولذا نقرأ الحديث المأثور عن المعصوم: (يعذب الله تعالى اللسان عذاباً لا يعذبه أحد من الجوارح).
ومن جملة المساوئ والآثار السلبية التي يمكن أن يتركها هذا الحدّ من اللسان، هو ترتّب الأحكام من خلال التحليل والتقييم والتحقيق، فيتحول الحديث من الكذب كفعل محدود الى اتهام وفرية وقرار ظالم وغيرها من المآلات الخطيرة التي دائماً يكون ثمنها الدماء والدمار وتسقيط أشخاص وقتلهم معنوياً.
وهذا ما نلاحظه ونشاهده في أوساطنا الاسلامية اليوم، حيث تحولت هذه النعمة الإلهية – اللسان وقدرة النطق- الى سلاح بيد أصحاب المصالح والطموحات السياسية الذين يقفون خلف واجهات دينية وثقافية لتضم أكبر عدد ممكن من المغفلين والغائبين عن الوعي الثقافي والديني، فاصبحنا أمام فتاوى التكفير والتفسيق التي يسترخصها اصحابها لمهاجمة هذا وذاك، ونهاية المطاف تكون في مشاهد الدم والدمار في الشوارع والمساجد والأضرحة المقدسة والأماكن العامة، فيتحول الابرياء من نساء ورجال وأطفال الى أشلاء موزعة هنا وهناك.
وإذا أردنا تحليل اسباب وخلفيات هذا الانحراف في الساحة الاسلامية، نجد انها تعود الى سوء استخدام نعمة النطق والكلام التي وهبها الله تعالى لهذا الانسان، فالحديث الكاذب من شأنه ان يصنع قناعات وعقائد وحتى سلوكيات عند افراد المجتمع، لذا نجد اليوم ليس فقط المذاهب الدينية فقط، إنما نجد المدارس والتوجهات داخل المذهب الواحد، حيث تزدحم بينها مختلف أنواع الحديث والكلام المعسول منه و المغلوط والمشوه و... والنتيجة النهائية تكون في الانقسام العقائدي عند المجتمع، فهناك من يفهم الدين بشكل وهناك من يفهمه بشكل آخر، وهذه هي من مشاكلنا العويصة والمستعصية حالياً.
ولأن الإسلام له نموذج واحد، كشف عنه النبي محمد صلى الله عليه وآله، وكان ينبغي على المسلمين الأخذ بهذا النموذج، لكنهم أعرضوا عنه منذ البداية واستبدلوه بنماذج أخرى، فان الحل الوحيد أمامنا وأمام جميع المسلمين، هو العودة الى ذلك النموذج السماوي، والكفّ عن الابتداع والتقويل، وهذا ما نجده في أحاديث أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله، وليس بوسع أي مسلم مهما كانت قناعاته ومذهبه أن يقدح في حديث واحد من أحاديث المعصومين، أو يجد فيها ما ينافي العقل والفطرة الانسانية.
إذن، لماذا نوقع على مصيرنا السيئ ونضع على اقدامنا على المنزلقات الخطيرة وأمامنا هذا الطريق الواسع والمنير؟ إن من يقرأ أحاديث المعصومين في أي كتاب من كتب السيرة أو الحديث أو حتى التاريخ الاسلامي، يجد فيه ما يبعث على الحياة والأمل، فيما يجد في أحاديث المتزمتين والمتعصبين والمتحزبين ما تفوح منه رائحة الكراهية والموت والكآبة، قال الإمام الباقر عليه السلام: (إن حديثنا يحيي القلوب)، (بحارالانوار، ج2، ص144). والسبب وجود الصدق و المصداقية، وكلما مرّ زمان وزمان على هذه الأحاديث، كلما كشفت أكثر وأكثر عن أشعة نورها، وفي الوقت الذي نسمع فيه عن دول التخلف والرجعية كيف تحذف من كتبها مئات بل آلاف الأحاديث، بخلاف ذلك نجد أن الناس كلما إزدادت علومهم ومعارفهم تعرفوا أكثر فأكثر على أهل بيت النبوة واكتشفوا صوابية مواقفهم من حقائق العقل والعلم، ويكفي معجزة أهل البيت سلام الله عليهم أن أحاديثهم وكلامهم تقرأ وتكتب وتدرس وتبحث ويتم التحقيق فيها في القرن الحادي والعشرين وفي الألفية الثالثة، بينما أحاديث وكلام غيرهم لايصمد أمام تغيرات الزمان وتطور العلم أكثر من قرن واحد.
|
|