محاضرة يلقيها.. سَمَاحَةُ المَرجِعِ الدّيني آيةُ اللهِ العُظمى السَيد مُحَمّد تَقِي المُدَرّسي
إنفلونزا الخنازير تتصاغر أمام فريضة الحج
|
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان اللعين الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
"الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ" البقرة197
آمنا بالله
صدق الله العلي العظيم
* ضياء باقر
لقد جعل الله لكل خير ينبوعة، فالماء ينزل من السماء ويجتمع في مخازن الارض أو في الجبال ومنها يتفجر الترع، والشمس تضيء، وهي ينبوع النور فما هو ينبوع الرحمة؟ ينبوع الرحمة يتلخص في موقعين اساسيين:
الأساس الأول هو الكعبة الحرام التي جعلها الله للناس قياماً والمسجد الحرام. والأساس الثاني: مراقد النبي وآل بيته (ع) ومنها مدينة الحسين كربلاء المقدسة.
هذه ينابيع الرحمة الإلهية، ومن هنا جاء في الحديث الشريف: (لو هُدمت الكعبة لم يناظروا)، فالكعبة أمان لأهل الأرض، لو هدمت لم يناظروا أي أن الكعبة هي مركز الرحمة والأمان لو هدمت فإن أهل الأرض يؤخذون بذنوبهم ولا يمهلون فترة اخرى، وكذلك قبر النبي (ص) والذي قال عنه ربنا سبحانه وتعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ" الأنبياء107، وكذلك مراقد أهل البيت كمرقد الإمام علي (ع) في النجف الأشرف ومرقد الإمام الحسين (ع) في طف كربلاء، هذه مراكز الأمان والرحمة، والرحمة من السماء أول نزولها في هذه المناطق ثم تنتشر في الأرض جميعاً، ولذلك يجب أن يتعاهد المسلمون على زيارة هذه المراقد وزيارة الكعبة المشرفة والمدينة المنورة وفي المدينة قبر السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء ومرقد اهل البيت أئمة الهدى (ع) في البقيع يجب أن يتعاهدوها ويزوروها ويتوافدوا عليها لا لكي يكتسبوا الرحمة منها فقط وإنما لكي تبقى هذه المراقد مركز اشعاع وأمان لأهل الارض جميعاً، وربنا يقول في سورة البقرة: "الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ" نحن الآن دخلنا في أشهر الحج لأن هذه الأشهر، ذي القعدة الحرام، وذي الحجة الحرام، ومحرم الحرام هذه الأشهر الثلاثة هي أشهر حرم فضلاً عن شهر رجب حيث أنه شهر حرام ايضاً ومعنى الشهر الحرام هو أن المسلمين لابد أن يتوجهوا ويتوافدوا الى بيت الله الحرام ولا يتعرض لهم احد في طريقهم سواءً أكان في الرواح أم في العودة والإياب وكان العرب في الجاهلية بالرغم من أنهم كانوا في صراع مع أنفسهم وفي حروب دائرة بينهم إلا أنهم كانوا يحترمون هذه الأشهر الحرم فيتوافدون الى مكة ويعودون بلا مشاكل، حتى إن احدهم من الشعراء الجاهليين يقول في بيت من الشعر:
والمؤمن عائدات الطير يمسحها ركبان مكة بين العيل والسلمِ
يعني هو الله الذي أعطى الأمان حتى للطيور وفعلاً في مكة لا يمكن لأحد أن يهجج الطيور، وحتى الحشرات محترمة وكذلك النباتات محترمة هناك وحرمتها كلها من حرمة الكعبة المشرفة، ونحن ينبغي أن نعرف بأن شياطين الجن والإنس يحاولون أبدا وقف هذه المسيرات (وقف زيارة الكعبة ووقف زيارة أهل البيت (ع)) بطريقة أو بأخرى ويضعون العقبات والعراقيل الكثيرة هذا اليوم، واليوم خرجوا بفكرة جديدة سموها بإنفلونزا الخنازير حيث يقولون أن هذه سوف تهدد وتهدد وتهدد....، طبعاً هناك من يقول صادقاً ويتحدث بموضوعية ويقول لأن الحج قد يكون سبباً لانتشار هذا المرض الذي لا يعد مرضاً خبيثاً ولكنه يعد وباءً سريع الانتشار فإذن يجب أن نهتم بذلك وباللقاح المضاد وايجاد مجموعة منظمة لحركة الناس سواء في الرحيل أم في العودة وهذا كلام سليم مئة في المئة، ولكن هناك ايادياً خبيثة تحاول أن تحول هذه القضية الى سبب لمنع الحج، ونحن نحذر من ذلك "الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ" ثم يقول ربنا: "وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ" هنا مركز التزود بالتقوى، هنا يجب على الناس أن يأتوا ليحصلوا على التقوى فمن أين يحصلون على التقوى إن لم يذهبوا الى الحج؟، والإمام علي أمير المؤمنين (ع) قال في آخر وصية له لأبنائه ولشيعته وللمسلمين جميعاً: (الله الله في بيت ربكم فلا يخلون منكم) يعني (بيت الله الحرام) فلا يقول أحدكم انا اليوم متعب والثاني يقول مريض يجب أن تذهبوا، وحتى هناك حكم شرعي يذكره الفقهاء في كتبهم أنه لو ترك الناس الحج فعلى إمام المسلمين أو خليفة المسلمين أو الحاكم الإسلامي أن يدفع من بيت المال والأموال ويحج الناس الى بيت الله الحرام وكان من عادة ملوك المسلمين أن الواحد منهم كان يعطي الاموال ليذهب الناس الى الحج وفي بعض الاحيان وصلت الى ألف شخص، هذا الشخص يعطي الأموال لحج ألف انسان والآخر يعطي الاموال لحج 500 انسان، فمن المستحب أن يعطي الناس المال لكي يحجوا بيت الله الحرام، هذا بالنسبة الى مكة المكرمة، فأنا أدعو من هذا المنبر المسلمين جميعاً واتباع اهل البيت أن يحصنوا أنفسهم من كل خطر ولكن عليهم أن لا يتركوا الحج لمن استطاع إليه سبيلا، طبيعي أن الحج فيه مشاكل ولذلك الشخص عندما يأتي الى الإمام الصادق (ع) ويقول: يا ابن رسول الله نحن نذهب الى الحج في السفينة وقد تنكفئ بنا السفينة، فالإمام الصادق (ع) يقول: إذن تنكفئ في الجنة. فالسفينة تنقلب لكنها لا تنقلب في الماء بل في الجنة، هذه رواية وردت في الحج ووردت في زيارة ابي عبد الله الحسين (ع)، يعني يجوز أن يذهب الإنسان الى زيارة أبي عبد الله الحسين (ع) عبر البحر وهو يحتمل الخطورة وأن البحر قد يبتلعه ولكن الحقيقة أن البحر لا يبتلع زائر الحسين وإنما الجنة تحتضنه، والذي يموت في طريق الحسين يدخل مباشرة الى جنة الفردوس إن شاء الله.
أيها الأخوة: الحج لا يترك، وزيارة الحسين لا تترك، وطوبى لإخواننا المسلمين في كل مكان وبالذات في العراق هذا البلد الذي ترابه ضُمّخَ بدماء أهل البيت (ع) سواءً أكان في محراب الكوفة أم في طف كربلاء، ضمخت هذه الأرض بدماء أهل البيت (ع)؛ فالمسلمون لم يتركوه والناس كانوا يأتون الى كربلاء والشخص الواحد كان يقدم يده فتقطع ضريبة لزيارة الحسين (ع) وكان يأتي الى كربلاء وهناك مشاكل كثيرة في الطريق وكانوا يقتلون من كل عشرة واحداً وهم يأتون ويتنافسون والعشرة عندما يأتون الى زيارة أبي عبد الله الحسين (ع) فالواحد يقول تعال واقتلني انا لكي اكون شهيداً والآخرون يتنافسون معه، لا لأنهم لم يسمعوا كلام ربهم "لا تلقوا بأيديكم الى التهلكة" بل سمعوها ووعوها! ولكن هذه ليست تهلكة فهذا طريق الحسين (ع) وطريق الجنة والتحدي والشهادة وكذلك في الحج وكثير من الناس كانوا يذهبون الى الحج ويعلمون أن هناك مخاطر ولكنهم كانوا يركبون البحر ويقتحمون المخاطر وربنا سبحانه وتعالى حينما ينادي منادي للحج يقول: "وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ* لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ" يعني الحج قد يأتيه الإنسان راجلاً على قدميه فرجالاً يعني راجلين وعلى ضامر يعني على كل بعير أو إبل ضامر من كثرة المشي في هذه الصحارى والجبال "مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ" أي أن الله رب العالمين دعاكم الى بيته أولاً وبالذات راجلين على أرجلكم ثم على كل ضامر من كل فج عميق، وكذلك زيارة ابي عبد الله الحسين (ع) أيضاً الآن نجد في كل مناسبة عشرات ومئات بل وملايين من البشر يأتون رجالاً على أرجلهم ويزورون الحسين وبكل صعوبة ولماذا؟ لأن هناك شياطين الجن والإنس كانوا ولا يزالون هنا وهناك يمنعون زيارة أبي عبد الله الحسين (ع) كما يمنعون زيارة بيت الله الحرام، ولكن همّة المسلمين وحركتهم وحيويتهم منعت هؤلاء الناس بأن يحققوا اهدافهم الخبيثة ويبعدوا الناس عن زيارة بيت الله الحرام أو عن زيارة مكة المكرمة وانا أهيب الناس وبكل مسلم في كل مكان أن لا يسمعوا لهذا الاعلان المضلل وأن يأتوا الى الحج ولكن بعد أن يحصنوا أنفسهم باللقاحات الكافية بعد أن يأخذوا كلام الخبراء والاطباء وغيرهم مأخذ الجد ومع ذلك يذهبون الى بيت الله الحرام، وأيضاً يأتون الى مدينة الحسين لزيارة الحسين (ع)، وهذه دعوتنا، وهنا ينبغي أن أقف قليلاً واتحدث عن هذا الوباء الذي ينتشر واقول لإخواننا في كل مكان حاربوا المرض كما تحاربون العدو، فالمرض محارب لأنه عدو الانسان والحياة والله يريد الحياة للانسان ولاتتهاونوا في محاربة الأمراض وبالذات الأوبئة وهذه من الأوبئة التي يجب أن تحارب، وعلى وزارة التربية والتعليم العالي والصحة وعلى الأخوة في كل مقام في العراق أن يستعدوا لمواجهة هذا الوباء بطريقة او باخرى، ومن هذه الطرائق:
أولاً: أن يثقفوا الناس والمجتمع وعلى الفضائيات أن تضع برنامجاً معيناً لتثقيف هذا المجتمع بطبيعة هذا الوباء والمرض وكيفية مواجهته ومقاومته والتحصن ضده.
ثانياً: بشراء اللقاحات وتوزيعها على الناس أو على الاقل توفيرها في مختلف المصحات ليشتري الناس هذا اللقاح ويحصنوا أنفسهم منه.
ثالثاً: بايجاد نوع من الثقافة في مراكز التجمع كالمراقد المقدسة والمساجد والمدارس والجامعات والأسواق وغيرها من أجل أن يكون الناس على وعي بما ينبغي عليهم أن يفعلوه تجاه هذا المرض.
ولا يتركوا القضية للقضاء والقدر، والله سبحانه وتعالى حينما دعا النبي موسى (على نبينا وآله وعليه افضل الصلاة والسلام) دعا ربه بشفائه من المرض فربنا قال: ليس هكذا يا موسى إذا أردت أن تتشافى وتتعافى عن المرض فعليك أن تذهب الى الطبيب وتأخذ الدواء وتشربه ثم أدعني استجب لك، يعني هناك سلسلة من الأسباب والمسببات يجب على الناس أن يهتموا بها والمرض يجب أن يحارب والوباء يجب أن يحصن الناس ضده، أما أن نترك الأمور على علاتها فليس الأمر كذلك، وزارة الصحة والتربية والتعليم العالي والوزارات المشابهة وكذلك أماكن التجمع يجب أن يكون هناك ليس فقط تثقيف وإنما قواعد وضوابط وأوامر صارمة بحيث يمنع الناس عن التلوث بهذا المرض، والمهم نحن اذا عرفنا بأن في هذا الطريق خطراً لا اترك الطريق وإنما نرفع الخطر وهناك فرق بين أن يترك الإنسان الطريق وأن يحارب الخطر.
وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم لما فيه الخير والصلاح وأن يجعلنا إن شاء الله ممن يستمع الى برامج ومناهج ووصايا القرآن الكريم وأهل البيت (ع) ويطبقها في حياته إنه ولي التوفيق، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
|
|