رضيع.. يَستنزلُ الرحمة
|
تنفس صبح الجمعة الأولى من المحرم بزفرات حزن وألم.. وعبقت في الأجواء رائحة الكآبة.. نظرت إلى السماء المتلبدة بالغيوم وهي تخفي خلفها خيوط الصباح.. وكانت قطرات من المطر تنهمر من السماء .. وحرارة تتلظى في القلوب .. إنه يوم الرضيع .. رضيع الحسين(ع) .. حيث يحيي المؤمنون هذا اليوم من كل عام بإسم هذا الرضيع الذي ما بخل بدمه الطاهر من أجل نصرة أبيه المظلوم ..
نظر الرضيع إلى وجه أبيه نظرتين: الأولى.. أشتكى فيها حرارة السهم وظلم الأعداء.. والثانية: كانت نظرة نصرة.. وكأنه يقول لأبيه: إن دمي يرخص لك يا أيها الثائر المضحي.. والحسين ذلك الأب المفجوع نظر إلى عيني صغيره يحاول أن يروي شوقه إليه.. أيضمه؟! أم يلثم نحره؟! ..وأي شيء يروي ظمأ الوالد المفجوع بإبنه الصريع؟!.. اغترف الإمام(ع) الدم من نحر الرضيع وحمله بكفه الشريفة .. ثم نظر إلى السماء ورمى قطرات الدم قائلاً: ((اللهم إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى..)) فتقبله الله بقبول حسن ..ولم تسقط القطرات .. بل احتضنتها السماء وأسكنتها في الخلد..
عجيب أمر ذلك الرضيع.. بالأمس حينما قُتل قطراته ارتفعت إلى السماء.. واليوم يُستنزلُ الغيث باسمه.. وتنزل شآبيب الرحمة الإلهية به .. فكم من طفل مريض شُفي به.. وكم من إمرأة حُرمت من مداعبة الأطفال و رُزقت به.. وكم من حوائج كبيرة تذللت بالتوسل إليه.. وكم من هموم فرجت به.. الذين قتلوا الرضيع في الماضي تغافلوا عن منزلته.. فاسكنوا السهم في نحره.. ثم لم يكتفوا بذلك بل رفعوا رأسه الصغير على رمح طويل.. وأنكروا تلك الرحمة التي لُف بها كما يُلف كل رضيع في قماطه.. وجحدوا بالنقمة التي ستحل بهم جراء فعلتهم الشنيعة.. والغضب والسخط الإلهي الذي سينزل عليهم.. و حرارة النار التي ستكوي وجوههم و تصلي أجسادهم..
ولكننا اليوم نؤمن إيماناً لا يخالطه الشك أن هذا الطفل الرضيع الذي لم يتجاوز الأشهر الستة الأولى من عمره هو باب من أبواب الله.. وبه تُقضى الحاجات وبه تُزاح الهموم وبه يُستنزل غيث الرحمة الإلهية ولذلك فنحن دوماً نتعرض لقطرات غيثه المنهمر من السماء ..
|
|