حتى لا نكرر في البحرين الخطأ القاتل لثورة العشرين العراقية
|
السيد جعفر العلوي (*)
منطق الثورة خلاف الحسابات المعتادة
لكل شيء منطقه وأدواته الخاصة، فحين نقرر أن نصوم فإن علينا أن ندع جانباً كل العادات الغذائية وغيرها، فنعيش ثورة على تلك العادات في الوقت ونمط الطعام وغيره. وكذلك حين تقرر الشعوب إعلان الثورة، فإنها بحاجة الى ثورة على الذات، أولاٍ، بكسر كل طرق العيش التي أعتادتها الى حالة أخرى، فتستبدل منطق الركون والذل بمنطق العزة والشهادة. فالثورات هي في الأصل خلاف المعتاد، وهي كسر صارخ للواقع المعاش، فيصبح الموت في عز خير من الحياة في ذل. إن شعار الإمام الحسين عليه السلام، هيهات منا الذلة ليس مقولة وشعاراً فحسب بل هو منهاج عمل، فكلما كان هناك ذلٌ فعلينا رفضه وعدم الخضوع له، ومن ثم هو دعوة للتحرر من كل القيود عدا الخضوع لمنهج الله. فلماذا علينا أن نخضع لمنطق الواقع وضروراته ما دام ذلك الخضوع يورثنا ذلاً ومهانة. ولو كان كذلك لما ثار الإمام الحسين عليه السلام، لأن منطق الواقعيات لم يكن معه، فقيل له أن القوم قلوبهم معك وسيوفهم عليك، وهي كلمة اختصرت واقع أهل الكوفة.
ومع ذلك لم يتراجع ذلك الإمام الثائر، وعلم أن عدد أنصاره قليلون، ومع ذلك سار قدماً. فنصل الى نتيجة، وهي أن منطق الثورات هو كسر للواقع وضروراته وعدم الخضوع للحسابات الظاهرية، بل هو إيمان وشجاعة وإباء وتضحية وشهادة، طبعاً البعض قد يقرر أن ما نعيشه في البحرين حالياً، ليس بثورة، وإنما هي هبة، وهي كذا وكذا، وهذا خلاف الواقع، فشعبنا قرر الثورة وألتحق بها الجميع تقريباً. وعلى الباقين الإلتحاق فوراً بقطار الثورة التي فجرها شهداؤنا وأبطالنا الذين فتحوا ميدان الشهداء، وكسروا طوق العساكر بدم الشهادة. فهؤلاء الأبطال والذين باتوا ولا يزالوا في الميدان هم الذين صنعوا الواقع الجديد، وليست المعارضة مع إحترامنا لجهودها وتضحياتها.
لماذا التشبث بالملكية الدستورية؟!
نحن عشنا كشعب ما يزيد على المائتين سنة، أسراء لمنطق الواقع المعاش. فبإسم الظروف الموضوعية، والحسابات العقلية وماهي بعقلية خسر شعبنا العديد من الفرص في ثوراته وإنتفاضاته السابقة. ونسأل، هل الملكية الدستورية قرآنٌ نزل علينا حتى لا نغيره؟!. فإذا كان النظام الحاكم في البحرين، هو نفسه لم يلتزم بها بالفعل، فلماذا نكتب على أنفسنا الإلتزام بها. لماذا نكون إسراء منطقه وأهوائه وبرامجه؟!. قد تكون المطالبة بها مقبولة في الظروف الإعتيادية التي عاشها شعبنا والمعارضة طوال العشر سنوات الماضية، ولكن لا داعي لتأطير ثورتنا بها بحجج الواقع ووضع دول الخليج. كفى ما مضى. وعلينا أن نحزم الأمر متوكلين على الله تعالى الذي أذن بسقوط الطغاة العرب، بل بسقوط النظام العربي المستبد كله، وبشكل سريع، كما قال تعالى: وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ. إ وأني متأكدٌ أن بعض مكونات الشعب الذين لم يلتحقوا بالثورة سيلتحقوا بها وعن قريب، وسيضعون أيديهم بأيدي الثوار، حتى نحقق جميعاً حلم الشعب في دولة حرة كريمة لا خضوع فيها لطاغية، أو لأسرة، بل الخضوع للقانون الذي نتفق عليه جميعاً. ولو خضع شعب مصر لمنطق الواقع لما انتصر في ثورته، لأن النظام الدولي الذي ناصر نظام حسني مبارك طوال ثلاثين سنة لم يكن يسمح بسقوطه، ولكنه خضعوا لإرادة الشعب المصري الذي اكتشف قوته وهويته واستعاد حقيقته التي ضيعها طغاة مصر. ولو استطاع النظام الدولي الظالم لأوقف عجلة ثورة مصر، ولكنه كان عاجزاً عن فعل شيء، وخسارته لمصر أعظم من خسارة أي بلد آخر. إن إعطاء فرصة أخرى للنظام الحاكم في البحرين، والإبقاء على رموزه الملوثة أيديهم بدماء شعبنا، هو فتح ثغرة مستمرة للإضطهاد والظلم، حيث يستطيع الملك أن ينقض بما يملك من علاقات وإرتباطات وقوة هنا وهناك من إرجاع الأمور الى سابق عهدها.
الخطأ القاتل في ثورة العشرين العراقية
اشتعلت ثورة العشرين العراقية لمواجهة الإحتلال البريطاني، وطرده من العراق، وقد حقق الشعب العراقي نجاحات كبرى ، إلا أن الخطأ الكبير والقاتل الذي وقع فيه العلماء وقادة الثورة هو حين استدعوا الملك فيصل بن الشريف حسين لكي يكون ملكاً عليهم ضمن ملكية دستورية. لقد أعطوا بذلك مساحة للإنجليز بشكل مستمر للتدخل عبره، واعطوا مساحة للطغيان والطائفية التي كان الملك فيصل معروفاً عنها. ولقد دفع الشعب العراقي ثمن هذا الخطأ الى الزمن الحالي، وهكذا دفع العراقيون ثمناً باهظاً، ولو أنهم من البدء نادوا بالنظام الجمهوري الديمقراطي لكان العراقيون في وضع آخر ومتقدم وحر دون أن يبتلوا بحكام طغاة أمثال صدام.
لنحقق حلم آبائنا وشبابنا
نريد أن نعيش في وطن لا وصاية فيه لأحد علينا، وطنٌ يكون الشعب هو من يصيغ جميع مفرادته، فلا يكون للظلمة الذين ساموا شعبنا الويلات والنكبات مجال فيه. وطن جديد جميل نتنفس فيه عبير الحرية بلا ملك أو أمير مفروض علينا. وطنٌ يقول فيه الشعب كلمته، ويحقق إرادته، ويكتب مجده، ويصون ثرواته، ويحمي بلده، ويرعى وحدته. إنه حلم الآباء ومجد الأبناء وسعادة الأحفاد. فإلى الأمام بصمود وصبر ومثابرة وتوكل وتعاون وتوسل ودعاء.
(*) عالم ديني ومعارض بحريني
|
|