الاحتجاجات ومؤشرات التغيير
|
إيمان شمس الدين
من تونس إلى مصر إلى ليبيا والبحرين واليمن ، ولا ندري غدا إلى أين، ولكن ما نؤمن به حقا أن ثورة الشعوب القائمة على مجموعة من الأسباب الجوهرية التي تمس كرامة الفرد، وما فطر عليه من الحرية لابد أن تؤتي أكلها في النهاية وتحقق أهدافها.
إن الاحتجاجات التي نشهدها في الآونة الأخيرة ليست وليدة اللحظة، أو أنها عدوى استشرت من تونس لتنتقل إلى غيرها، بل هي ممارسات أنظمة بدأت بالتهالك تراكمت مع الزمن، انتهكت فيها الحريات، وفُقئت فيها عين العدالة الاجتماعية، وسلبت حقوق الناس، وهذا السلب بحد ذاته هو مدعاة واضحة لعقوق الناس، وانتشر فيها الفساد وسرقت فيها مقدرات الشعوب، وباتت فيها الديموقراطية شعارا مفرغ المحتوى، وكتبت فيها دساتير على ورق تكرس من سلطة الاستبداد وتزيد من انتهاك حقوق الشعب.
اليوم بعض هذه الاحتجاجات هي مطلبية، وأهم مطلب فيها هو الاصلاح، وليست كما يصفها البعض باحتجاجات شغب وفوضى خلاقة، ولا تقتصر مطالبها على الخبز كما يريد لها آخرون أن تكون، بل هي احتجاجات فعلية لها مطالب واضحة في التغيير الجذري أولا للحكومات المتهالكة، ولنظام الحكم، إذ إن الأزمة تكمن في نظام الحكم أكثر من كونها أزمة حكومة.
المطالبات جلها تتمحور حول حكم ديموقراطي عادل، يرفع سقف الحريات لتكون حريات مسؤولة، ويطالب بالعدالة الاجتماعية ويرفض سلب حقوق المواطنين، ويقيم مشاريع تنموية تنهض بالإنسان قبل النهوض بالحجر. وما هو متوقع أن يركب البعض من المتنفعين موجة التغيير والاصلاح، ومحاولة وأد ثورة الناس والانقلاب عليها بعد ذلك، لكون الدول المتوترة هي دول عرف عنها سياسيا تحالفها مع الغرب وتنفيذها لما يريد منها الصهاينة، خصوصا في ما يتعلق بالأمن ومحاربة كل أنواع الممانعة ، وهو ما لا يمكن أن يستسلم له الغرب أو الصهاينة، وما يمارسونه الآن هو الترقب ومحاولة مواجهة ما يحدث، ولكن بالنفس الطويل واللعب الهادئ البعيد عن الاعلام، وما يمارسونه على المستوى الاعلامي هو الدعم الشكلي من خلال التصريحات لمطالبات الشعب.
ويتحتم اليوم على الدول الغربية الرضوخ لحقيقة مهمة مفادها أن دعمها للديموقراطيات الشكلية في منطقتنا وترسيخها لأنظمة مستبدة هي التي ستدفع ثمنهما، وستكون الخاسر الاكبر، لأنها انكشفت أمام شعوب المنطقة التي فقدت الثقة بديموقراطيتها المزورة. ومع مرور الأيام لا أعتقد انه سيكون لها موطئ قدم في منطقتنا، كما أن ما يحدث هو رسالة واضحة لأنظمة أخرى لضرورة تفعيل مقومات الديموقراطية تطبيقيا وليس فقط على الورق الذي كتب الدستور عليه.
|
|