قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

نهاية حكم العائلات.. بداية حكم المؤسسات
عدنان الصالحي (*)
رحيل غير مأسوف عليه وانهيار مفاجئ لكنه متوقع لمنظومة القمع (العائلي) المتسلطة على شعوب المنطقة منذ بدايات القرن العشرين او ما يزيد، حيث اظهرت الاحتجاجات الشعبية مدى حالة التذمر للشعوب في جميع أنحاء العالم العربي من حكوماتها التي تتلون بأغطية متنوعة منها (الجمهوري والملكي والمشيخي وغيرها) وهي في الحقيقة انظمة استبدادية قمعية تعشعش خلف كتل عسكرية ضمن مساحات فكرية ضيقة وطرق بوليسية متوحشة.
يمكن تشبيه وضع الانظمة العربية الحاكمة بلعبة (الدومينو) فبمجرد سقوط القطعة الاولى لها في تونس توالى سقوطها بشكل تراجيدي سريع، وكـأن احداها خلخلت توازن الاخريات، الامر اللافت للنظر الذي اثر في الرحيل المتوالي للمنظومة العائلية في الدول العربية هي انكسار حاجز الخوف لدى شعوبها بشكل مكنها من المطالبة بحقوقها بشكل صريح، فرغم ان اغلب التظاهرات في بادئ الامر كانت تحت يافطة الاصلاحات او التعديلات او الخدمات الا انها سرعان ما تحولت الى سقف اعلى من المطالب للإصرار على رحيل رؤوس الانظمة مباشرة، وهذا التحول على ما يبدو كان نتيجة اسباب منها:
1- تصاعد قناعة الشعوب بهزالة هذه الانظمة ووهنها خلافا لما كانت يتصور عنها من ثقل سياسي وعسكري، وانها حكومات كارتونية الشكل لا تستطيع مواجهة الوقائع على الارض لساعات قليلة.
2- اتساع واكتشاف مدى الانشقاقات الداخلية لهذه الانظمة وخلافها الكبير مع الكثير من القيادات السياسية و العسكرية والامنية.
3- تواجد مكثف للاعلام الحر الخارج عن سيطرة الحكومات وسياساتها والقنوات الفضائية ذات النقل المباشرة، ولما لها من دور في تحفيز وتأييد الوضع الجديد ومن ثم فإن المواطن يستطيع أن يتابع (دراما حية) في الشوارع وعلى شاشات التلفزيون في جميع أنحاء العالم، وهو ما دفع أفراد الشعوب إلى مغادرة منازلهم والانضمام الى المتظاهرين، فحتى منتصف عقد التسعينيات من القرن العشرين، ربما لم يكن بإمكان الكثيرين معرفة أين تجري الاحتجاجات، كما يقول (لورانس بنتاك) الأستاذ بكلية مورو للاتصالات بجامعة واشنطن.
4- سرعة التواصل عن طريق الشبكة المعلوماتية الانترنيت.
5- وجود جيش من الشباب الناشطين اعلاميا المتمكنين من التعاطي مع أدوات المتمثل بالمدونات وتويتر، وفيسبوك وغيرها من أشكال التراسل الفوري، بوصفها قوة ناعمة من منظمات المجتمع المدني او الجهات الضاغطة، وهو ما يطلق عليه المصريون (ماسبوك Massbook)، هؤلاء الصحفيون والناشطون المسلحون (رقمياً)، شكلوا مزيجاً فتاكاً لمواجهة الاعلام الحكومي في بلدانهم.
6- تقادم وتحجر لمنظومة التفكير الحكومي في مواجهة انفعالات الشارع الجديد وطرق احتواء الازمات، وتغافلها عن تراكمات المشاكل اليومية والاخطاء المتكررة لسياساتها، اضافة الى تقييمها الخاطئ الى مقدار قوتها الاستخباراتية التي اثبتت فشلها وفسادها.
رحيل هذا النوع من الحكومات يمثل رحيل اخر ملوك ومشايخ ما بعد الاستعمار العسكري للدول العربية، وهي لا تختلف كثيرا عن سوداوية تلك الفترة، وبمعنى اخر فان الدول العربية التي اطاحت بحكامها سوف تدخل عالم الثورة الصناعية والتكنولوجيا هذه الايام فعليا بعد ان عاشت عقود مريرة من الانغلاق والكبت.
التحولات التي تطرأ لهذه الشعوب تمثل انعطافه تاريخية ستغير مسار وطريقة واليات حياتها لأنها شعوب انتزعت تلك الحقوق بدمائها واصواتها لا بانقلاب عسكري ولا بتدخل خارجي، لذا فان الشعوب والحكومات القادمة في هذه الدول سيكون كلاهما في اختبار صعب لأن كل منها يحاول الاستقرار في وسط الساحة.فالشعوب لن يبارح ذهنها ما كانت تعيش فيه من طرق وسياسات عشوائية قاتمة ونسيان تلك العقود لن يكون في ليلة وضحاها بل ان كابوسه سيظل يتابعها اياما طوال خوفا من نشوء مثيلاته مستقبلا، ولذا فهي ستظل تتابع بدقة كل حركة وسكنة للحكومات القادمة حتى وان كانت وليدة صناديق الاقتراع.
الحكومات القادمة هي الاخرى تعرف ثقل المرحلة القدمة فتحاول النهوض بنفسها وفق ما يريد منها الشارع الجديد وفي نفس الوقت فهي تدرك جيدا انها لن تكون ذات ازمان طويلة ولا ببروج عاجية تقيها من التغيير والاسقاط فيما لو اخفقت في تحقيق ما تريد منها شعوبها. وعلى ضوء ما تقدم فان المرحلة المقبلة تحتاج الى استنفار جميع المستويات السياسية ومنظمات المجتمع المدني والكفاءات وجماعات الضغط والنخب للشروع ببناء جديد يتطابق فيه الشعار المرفوع للتغيير مع الواقع المقبل، فإسقاط هذه الحكومات ليس هو الهدف الاساس بل هو بداية الطريق للوصول الى حكم مدني تعددي منفتح قائم على المؤسسات، واذا كان الهدف الاول قد تحقق بأيام قليلة الا ان بقية الطريق تحتاج الى مثابرة واستمرار كبيرين.
(*) مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث