إنه ليس مثلا مشرفا لحقوق الإنسان !
|
جميل عودة
لاشك أن الجهد الذي بذله الفريق الأمني العراقي في مراقبة وكشف فراس الجبوري وخليته الإرهابية كان جهدا مميزا وعظيما يكشف عن قدرات أجهزتنا الأمنية والاستخباراتية، وهي قدرات ظلت ومازالت وراء الكواليس لا نعرف عن شخوصها وأبطالها إلا النزر اليسير. فقد أثار عرض اعترافات المتورطين في عملية مهاجمة حفل زفاف (عروس التاجي) وصور فيديوية لعمليات قتل بمسدسات في الرأس لأشخاص ورميهم في نهر مشاعر غضب عامة لدى العراقيين الذين وصفوا الجريمة بأنها الابشع التي ارتكبت في البلاد خلال السنوات الأخيرة.
ففي اعترافاته التي عرضها تلفزيون (العراقية) قال فراس الجبوري إنه ينتمي إلى تنظيم الجيش الإسلامي التابع للقاعدة ويعمل في منظمة لحقوق الإنسان بصفة مدير السجون والمعتقلات، وإنه قد تورط بتنفيذ 14 عملية إرهابية من بينها اختطاف موكب حفل زفاف واغتصاب العروس وقتلها إضافة إلى ذويها بما في ذلك 15 طفلاً كانوا في الحفل. كما أشار إلى مشاركته في قتل بائعي قناني غاز وحرق جثثهم، موضحا أن مجموعته كانت تتلقى فتاواها من شخص مصري الجنسية. وأكد السيد قاسم عطا الناطق باسم عمليات بغداد أن "المجرم من ابرز قياديي مجموعة تضم 34 شخصا مسؤولة حتى الآن عن 15 عملية إرهابية أبرزها قتل 70 شخصا حضروا حفل زفاف بينهم نساء وأطفال في عام 2006 من أهالي منطقة التاجي (20 كلم شمال بغداد). وأوضح أن القوات الأمنية تمكنت لحد الآن من اعتقال 25 فردا من عناصر الشبكة . وأشار عطا إلى أن السلطات عثرت على عشرات الهويات المزورة في منزلين يعودان إلى فراس الجبوري احدهما في التاجي وآخر في بغداد .. وأيضا على تسجيلات فيديو يوثق فيها الجرائم التي ارتكبها. وقال عطا إن الفاعلين ألقوا الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين عامين و12 عاما في النهر بعد أن ربطوا أجسادهم بالأثقال .. ثم قام أفراد المجموعة في ما بعد باغتصاب العروس أمام أعين زوجها داخل قبو في مسجد الحنبلي قبل أن يقطع احد المسلحين ثديها ويتركها تنزف حتى الموت. كما اعدم أفراد المجموعة الرجال بعد وضع عصبات على أعينهم ثم قاموا برميهم في نهر دجلة.
فراس كان عضوا بارزا في جماعة (الجيش الإسلامي) إحدى تنظيمات القاعدة التكفيرية، ولكي يحصن نفسه ويمارس عمله بعيدا عن الشكوك أصبح شخصية ناشطة في مجال الانتخابات من خلال تعاقده مع المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وكون علاقات واسعة مع أطراف من الأمم المتحدة والجيش الأمريكي، وأنضم إلى إحدى التنظيمات السياسية المعروفة في الساحة العراقيةوبدعم ومساندة من جهات غير معروفة أنشأ فراس منظمة حقوق إنسان (منظمة حقوق المعتقلين) وهي منظمة تعنى فقط بمتابعة ملفات المعتقلين في السجون العراقية، وبالتحديد أولئك الذين كانوا جزءا من تنظيمات إرهابية وارتكبوا جرائم جماعية بشعة يندى لها الجبين. وقد قام فراس وطاقم منظمته بزيارة عدد من المعتقلات وتمكن من اللقاء بالكثير منهم!.وامتدت نشاطات فراس وعصابته الإرهابية إلى أن يحرض ويشترك في العديد من التظاهرات مستغلا نبل وحاجات المواطنين المتضررين، وكان يقود بعضها، منها تظاهرات ساحة التحرير .
بالطبع فراس ليس امتدادا ايجابيا لمنظمات المجتمع المدني، وليس مثلا مشرفا للمدافعين عن حقوق الإنسان، ولا يعبر لا من قريب ولا من بعيد عن أولئك المتطوعين لصالح المواطنين وقضاياهم الإنسانية، فالسواد الأعظم من منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية ومنظمات حقوق الإنسان العاملة في العراق هي منظمات تقدم الدعم والمساندة للفئات الاجتماعية المهمشة وتقوم عمل مؤسسات الدولة وأنشطتها. ولكن نموذج فراس ليس نموذجا أحاديا غير قابل للاستنساخ، بل هو نموذج مكرر وفعال، فهو كالسرطان في جسد منظمات المجتمع المدني، وبالتالي علينا أن نأخذ مأخذ الجد ما يقال عن وجود منظمات وهمية أو إرهابية تعمل لصالح تنظيمات تكفيرية، علينا أن نقبل من منطق الحرص على سلامة مسيرتنا المدنية بان هناك أشخاصا انضموا لمنظماتنا من أجل تدميرها وتشويه سمعتها، علينا أن نعطي فرصة للأجهزة الرسمية لكشف تلك المنظمات الوهمية والإرهابية وتقديمها للمحاكمة العادلة.وبالتالي، ومن منطق الوفاء لذوي الضحايا، علينا أن نطالب - كمنظمات مجتمع مدني ومنظمات حقوق الإنسان- الأجهزة التنفيذية والقضائية، بإنزال القصاص العادل بالجناة الذين اغتالوا الطفولة، وخطفوا بسمة عروس بريئة في ليلة زفافها، وأن نعمل تمثالا ومقاما لضحايا حفل عروس التاجي في أماكن إعدامهم واغتصابهم، وهي دعوة لكل من يعمل في منظمات حقوق الإنسان، كما هي نداء للسلطة التنفيذية، وهذا أقل الوفاء للضحايا وذويهم
|
|