قال تعالى: {أفَمَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنْ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}.
الإتباع حالة فطرية أودعها الله في فطرة البشر لتنظيم أمورهم و توحيد صفوفهم، و ربما هي سُنة كونية أيضاً، فنرى الكواكب تتبع الشمس مثلاً، و القمر يتبع الأرض و حتى الحيوانات تتبع كل مجموعة منها قائداً، و كذلك بالنسبة للبشر، فكل مجموعة تحدد لها قائداً يبيّن لها منهجها و يتخذ قراراتها و يحل مشاكلها و يسعى في تطويرها، و لو لم يكن كذلك فسنرى الفوضى و التخبط يقضيان على البشرية، لكن حينما يتحول الإتباع من إتباع ناتج عن وعي إلى اتباع أعمى فتلك هي المشكلة.
-
ما هو الإتباع الأعمى؟
يقول الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ}.
عندما تقوم بتنفيذ أوامر شخص بدون أن تُفكّر في عواقبها، أو تختار الشخص الذي تتبعه بدون ضوابط أو بدون بحث و تحري، عندما تتبع شخصاً لأنه الأشهر أو الأقوى أو الأجمل، أو لأن الأغلبية يؤيدونه أو لأنك ترى فيه شيئاً ينقصك فتتبعه أو لأن والدَيك يتبعانه…الخ فهذا هو الإتباع الأعمى، الناتج عن عدم الوعي و عدم إدراك أهمية و خطورة اختيار القائد.
و مثل الإتباع الأعمى قد يؤدي إلى الهلاك في الدنيا و الآخرة، و لدينا الكثير من أمثلة التاريخ الشاهدة على النهاية السيئة لأقوام كاملة بسبب اتباعها قيادات فاسدة أو قليلة الوعي، و منها سكان بابل الذين اتبعوا نمرود على عجرفته و طغيانه و عبدوه، و النتيجة أنه ساقهم لحرق نبي الله إبراهيم -و لم ينجحوا- لكن أثبتوا جميعاً أنهم مجرمون و مستعدون لأبشع الجرائم من أجل إرضاء ملكهم نمرود الطاغي.
عندما تريد أن تتبع شخصاً فلا تعتمد على طرفٍ واحد في البحث، بل ابحث في مختلف الأطراف و حدد مجموعة من الشخصيات
و كذلك قصة فرعون الذي {َاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ}، كما تقول آيات الذكر، فأهلكهم في الدنيا بسوء فعله، و جلب لهم عقوبات الرب من الضفادع و الجراد و الدم و القمل و إلى أن أغرقهم و سيأتي فرعون، على لسان القرآن: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمْ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ}، سيبقى قائدهم حتى في جهنم، لأنهم رضوا به في الدنيا و لم يرضوا بموسى النبي، و لا نزال نعاني في أمتنا الإسلامية المآسي و الويلات بسبب انقلاب الناس على إمامهم الذي بايعوه يوم الغدير، و نقضوا بيعته بعد وفاة النبي الاكرم، صلى الله عليه وآله، و أعطوا زِمامَ أمورهم لأئمة يقسّمون الرواتب بينهم كيف يشاؤون، و يغيرون سنّة رسول الله، و يفرقون بين المسلمين حسب أنسابهم و أحسابهم و مناصبهم” بعد أن ساوى النبي بين الرجل و عبده في العطاء”، و لو أنّ المُسلمين تمسكوا بالعروة الوثقى و اتبعوا القرآن الناطق، لما آلت أمورنا لما نحن عليه، فهل لي أن أسألك لماذا يغيب قائد و إمام لفئة تبلغ ملياراً و نصف من البشر؟
أليس كل المسلمين يؤمنون بالمهدي، عجل الله فرجه، و يريدونه قائداً؟
فلماذا لا يظهر؟
وهل يخاف العدو مع كثرة أنصاره المسلمين؟
إنه لا يظهر لأننا نريده و لكن لا نريد عدله و لا نريد حكومته التي تساوي بيننا و تنهى فاسدنا و تنصف مَن ظلمناهم.
و مثال آخر على الإتباع الأعمى و هو الشعب الألماني الذي اتبع هتلر و انخدع بأقواله فارتكبوا الجرائم البشعة و قُتل مليوني إنسان بين الطرفين. كثيرة هي قصص الإتباع الناتج عن عدم الوعي و الإندفاع العاطفي و عدم تحكيم العقل في اختيار القائد.
-
إذاً كيف يكون الإتباع الواعي؟
قال تعالى: {اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ} .
عندما تريد أن تتبع شخصاً فلا تعتمد على طرفٍ واحد في البحث، بل ابحث في مختلف الأطراف و حدد مجموعة من الشخصيات و ابحث عن السيرة الذاتية لهم و اسأل عنهم، و ضع مقاييس و شروط عقلية للشخص الذي تريد أن تتبعه بعيداً عن الرغبة و العاطفة.
ومن الجدير استلهام المعايير من القرآن الكريم، و من أحاديث أهل البيت،عليهم السلام، و من المؤكد ستكون في رأس القائمة الأخلاق السامية مثل الصدق، والشجاعة، والوفاء، والإخلاص، و الكفاءة…الخ، و تجنب اتباع الهوى و الشهوات لإنها تقود إلى النار.
إذاً علينا أن نفكر و نبحث عن صفات ضمن معايير معينة، في مَن نقتدي به أو نتبعه، و بعدها نحاول تطبيق هذه المعايير على عدة شخصيات و نرى أيهم يحصد أعلى النتائج حسب مقاييسنا، و الحَكم هو العقل و المنطق الذي يقرر من يفوز بالمسابقة بين القادة التي تجري على ملعب العقل الخاص بنا.
-
{يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ}
وحين يختار الانسان لنفسه قائداً أو قدوة فإنه يختار لها منهجاً في الحياة، ولهذا لابد التأكد من صحة المنهج الذي و ثبات المبادئ وكيف اتصاله بالرسالة الإلهية.!
وهنا علينا النظر إليه بين فترة و أخرى الى اعماله، و تحليل قراراته، و اختباره إذا كان ثابتاً على مبادئه أم انها تغيرت، و هل هذا التغير شيء صحيح أم خاطئ، فمن الممكن أن ينحرف ذلك القائد في أي لحظة لأنه إنسان-ببساطة- و لأنه غير معصوم، فلا نطيعه طاعة عمياء.
و علينا أن نحرص أن يكون قائدنا الذي اخترناه مرضيّاً عند إمامنا (و قائدنا الأعلى) الإمام المهدي و مرضيّاً عند الله تعالى.