الوطن هو تلك الدائرة الأوسع التي تضمّ داخلها مختلف أصناف الناس، بغض النظر عن طوائفهم، وأعراقهم، وأجناسهم، وألوانهم، لهذا فالوطن له قدسيّة خاصّة عند الواعين من الأفراد، وإن حب الوطن من نتاج إيمان الشخص وشخصيته القوية وتآلفه في المجتمع والإحساس بالمسؤولية.
وآثار حب الوطن كثيرة منها؛ بث روح السلام في داخل المجتمع الواحد، فإنهم وإن اختلفوا ردحاً من الزمن سيرجعون تحت خيمة الوطن، و تنحسر الجريمة، فمن يحب وطنه لا يخونه، وتسود ثقافة اجتماعية بنبذ الخائن لوطنه، بدلاً من انتشار التبعية في داخل المجتمع لحكومات و أوطان أخرى، ويكون المحب لوطنه مستعداً للدفاع عنه والتضحية في سبيله، كما يظهر هذا الحب عندما يقف المجتمع بوجه الحكومات الظالمة التي تحكمه، فضلاً عن رغبة محبي الوطن إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية في الداخل، من خلال إنشاء المشاريع التي تقلّل من المشاكل الاقتصادية التي يعاني الوطن منها، والتي تثقل كاهله بالديون من خلال تشجيع المنتتوج الوطني.
ومن هنا نستطيع القول بأن الحملات التي رأيناها وسمعنا بها، والتي انتشرت وأصبحت ثقافة مجتمعية بتشجيع المنتج الوطني، ما هي إلا نتاج حب الوطن الذي ترسخت ثقافته بالمجتمع، خاصة بعد ازدياد وعي الأفراد خلال مشاركتهم بالتظاهرات المطلبية، وآخرها؛ التظاهرات الجارية منذ الخامس والعشرين من شهر تشرين الثاني الماضي، في محاولة لإعادة نبض الحياة للعمل في العراق، من خلال عودة معامله و أراضيه الزراعية، بعدما دُمرت، كما أن تشجيع المنتوجات الوطنية للبلد والنهوض بتصنيعه وزراعته له آثار على مستوى الشخصية الفردية وعلى الروح الجماعية فضلاً عن نتائج اقتصادية جيدة.
الجانب الشخصي: مما لا شك فيه أن تشجيع المنتوجات الوطنية يعزز الهوية الوطنية لدى الفرد بشكل يتناغم مع غريزة حب الوطن الفطرية التي تنمو بداخل الشخصية السوية وأنّ كلّ فردٍ يعشق وطنه ويحبه بوصفه المستقر النفسي له، فالفرد يحب الانتماء لبلده ويتمنى أن يكون قوياً وناجحاً ومتطوراً بمصانعه وإنتاجه وعلمه وشخصياته وتاريخه العريق لذلك فإنه يفرح لكل منتج يراه من بلده ويعزز هوية الانتماء له بفخره بتلك الصناعات.
الجانب الاجتماعي: وقد أكد عدد من أساتذة علم الاجتماع أن كل ما يعزز الانتماء الوطني يحقق التنمية الشاملة، ويدعم استقرار الوطن وتطوره، ويسهم في حرص المواطنين على تطور بلدهم، و واحدة من الأمور التي تعزز ذلك الانتماء الجماعي هو تشجيع المنتوجات الوطنية، والذي يشجع على بث روح العمل الجماعي باتخاذ رأي ذي وعي بدعم الانتاج الوطني، ونبذ الاعتماد على منتجات الدول الأخرى، وبقاء الشعب كمستهلك فقط لكل احتياجاته، بل الشعور بالمسؤولية والوعي وعدم الاتكالية خاصة وإن الشعب العراقي معروف عنه بالاعتماد على نفسه وصبره وهمته العالية بالعمل.
الجانب الاقتصادي: إن دعم المنتجات الوطنية تسهم بشكل كبير في إنعاش الاقتصاد العراقي، فكنا نأمل بعد سقوط النظام البعثي أن يتحول العراق الى مصدر للسلع والمنتجات لباقي الدول لما يمتكله من ثروات وخيرات، وبالحفاظ على مصانعه وتطويرها، ثم إنشاء مصانع جديدة، ومعامل حديثة تتناسب مع ما يمتلك العراق من مواد أولية وميزانيات ضخمة، فضلاً عن التطوير الزراعي لبلد ذي أرض خصبة، ولكن ما حصل هو إهمال للفلاحين والعمال، بالمقابل تم دعم المنتجات الاجنبية، وإهمال المصانع والمعامل وعدم التقدم خطوة بالاتجاه الصناعي والزراعي، و اكتفت الحكومة بتصدير النفط واعتماد الموازنة عليه، وعدم الاستفادة من العملة الصعبة التي تخرج خارج الحدود باستيراد احتياجات الفرد من مأكل ومشرب وغيرها على الرغم من علمها بأن تقدم البلاد اقتصادياً يعتمد على الصناعة والزراعة المتقدمة ودعم المنتوج الوطني وحمايته بقوانين تفرض رسوم جمركية على المستورد، الى جانب دعم المشاريع الزراعية والصناعية بالقروض والخبرات والتجارب العلمية وسائر الامكانات.
-
التظاهرات المطلبية والتحفيز للاكتفاء الذاتي
من هنا بادر الشعب العراقي في تظاهراته الشعبية بإحياء مبدأ الاكتفاء الذاتي من خلال الدعوة لدعم المنتوج الوطني خدمة لاقتصاد البلاد، وعدم السماح للمنتوج الاجنبي بالتطاول أكثر على الاسواق العراقية، وهي خطوة في المسار الصحيح، وقد نالت مباركةَ الأوساط الشعبية لهذا الجهد المبارك الذي يعكس رغبة الشعب في الإسهام بعملية الإصلاح الحقيقي وتطوير البلاد على الصعيد الاقتصادي.
إن حبّ الوطن هو أساس تقدم اقتصاد البلد على مستوى الفرد والمجتمع، ولذلك جعله الإسلام من أولويات تطبيقات نظام العمل في الحياة، قال أمير المؤمنين الإمام علي، عليه السلام، “عُمّرت البلدان بحب الأوطان”، ولذلك لابد من الاستجابة بدعم المنتوج العراقي في داخل الأسواق حرصاً منّا على تقدم بلادنا ونجاحها وتعبيراً منا لحب وطننا العراقي الأصيل.