قراءة أولية لما جاء في البيان الصادر عن المجتمعين يوم الاثنين الماضي في دار السيد عمار الحكيم، رئيس تيار الحكمة، تكشف نقطة سلبية كبيرة تلقي بظلالها على البيان برمته، وهي؛ تنصّل الموقعون؛ وهم يمثلون اثني عشر كتلة نيابية وحزب سياسي، عن أي مسؤولية مباشرة فيما جرى ويجري حالياً في العراق، كما لو أنهم طرف ثالث يبغون التوسط والإصلاح بين الشعب الثائر وبين “حكومته الفاسدة”، فهم يقترحون وينصحون، ثم يتغافلون عن بقعة الفساد التي يقفون عليها.
شرارة الاحتجاج لم تنطلق من حاجة الناس الى المال والطعام وحتى العمل، فالعراق معروف بانه أرض العطاء والخير، ولم يفتقر أهله قط إلا في ظروف قاهرة كالذي جرى في ظل عقوبات صدام، وعقوبات العالم عليه في تسعينات القرن الماضي، وإلا فان العراقي امامه بدائل عدّة لتوفير لقمة عيشه، إنما الذي حزّ في كرامته ونفسه؛ الظلم والفساد والطغيان بشكل سافر بسبب إصرار نفس هذه الاحزاب السياسية على وجود المحاصصة السياسية في البنية التحتية للنظام السياسي للعراق، فقد أوصلوا رسالة تحذير الى الشعب، ولعدة مرات، بأن هذا النمط من الحكم إنما هو ثمن الاطاحة بنظام صدام، فالتخلص من رعب المؤسسة الأمنية الصدامية، وسياسات القمع الدموي والتنكيل والإذلال، ومصادرة الحريات، مقابل التعايش مع نظام حكم جديد قائم على مثلث اثني تتقاسم احزابه السياسية المناصب في الدولة (شيعة- سنة-كُرد”، وايضاً؛ الثروات والامتيازات، ثم توزيع ما فاض عن الحاجة الى الموالين والمتزلفين لهذا الحزب او ذاك، أما الكاسب، والطالب، والعامل، والمرأة، والفلاح، فليذهبوا ويشكروا هذه الاحزاب على انقاذهم من نظام صدام قبل أن يفكروا بأي شيء آخر يتعلق بواقعهم الراهن، ولذا جاء في بداية البيان، وفي النقطة الثانية: “إن الحفاظ على بنية الدولة ونظامها السياسي الديمقراطي، ومبدأ التداول السلمي للسلطة، هي المثابة التي يجتمع عندها الجميع، وتجاوزها خط أحمر”!
يبدو أن المجتمعين تملكهم الرعب من تواجد كل هذه الحشود المليونية في مدن الوسط والجنوب جعلهم لا يسمعون الهتاف المدوّي للمتظاهرين: “نريد وطن” وهو اختزال لكل المعاناة التي يعانوها طيلة ستة عشر عاماً، ولكل المفاسد الجاثمة على صدورهم، بينما نقرأ في النقطة التاسعة (ذ) من سلسلة الإلزمات على حكومة عادل عبد المهدي، “إلزام الجهات الحكومية بشراء المنتج المحلي –وليس الوطني!- من القطاع الخاص والعام العراقي في حال توفره”، ورغم حساسية هذه النقطة ومحوريتها، فانها جاءت فضافضة وهزيلة دون محتوى يبين للناس تبني هذه الاحزاب مبدأ الانتاج الوطني والاكتفاء الذاتي لمحاولة إنعاش الاقتصاد العراقي، ومن ثمّ إنقاذ الا نسان العراقي من العوز والتبعية للخارج، والمثير للاشمئزاز عبارة: “في حال توفره”، بمعنى عدم مسؤوليتهم عن وجود او عدم المنتج العراقي، متغافلين عن حجم القدرة الانتاجية في العراق زراعياً وصناعياً، الى جانب العقول المبدعة للشباب التي نحرها الظلم في التوزيع غير العادل للثروة ولفرص العمل.
وفيما يتعلق بهدر المال العام على يد هذه الطبقة السياسية جاء في النقطة الثالثة (ج) من الالزام الثالث التي تفرضه القوى السياسية على نفسها بأن “تشرع قانون إلغاء كافة الامتيازات لكبار المسؤولين والرئاسات والدرجات الخاصة و…. وتوطين جميع الرواتب بما فيها رواتب حمايات النواب وباقي المسؤولين” في ظنهم أن الناس بتلك الدرجة من الغفلة عما يتمتع به كبار المسؤولين والمدراء العامين ومن يدور في فلكهم من رواتب عالية ما تزال تثقل كاهل خزينة الدولة، فلا يجرؤ الساسة المجتمعون على التفوّه بكلمة الرواتب، ولو بظاهر القول أمام الشعب، والاعلان بشجاعة عن تخفيض حاد في رواتبهم، علّها تكون بلسماً يشفي جروح المعوزين والمهمشين من الشباب والاطفال والارامل وابناء الشريحة الفقيرة.
البيان الختامي للمجتمعين، و بعد مباركة رئيس الوزراء لها، وايضاً تناغم كتلة سائرون (التيار الصدري) مع مخرجات الاجتماع بعد رفضه تلبية الدعوة، كل هذا يدلّ على عزم الطبقة السياسية برمتها الخروج من عنق الزجاجة (الاعتصامات والاحتجاجا) مع حفظ ماء الوجه، ولا يكون أحدٌ؛ سواءً في الواجهة الملطخة بالوحل والدماء المتمثلة بعادل عبد المهدي، أو في الاحزاب والكتل في الظل، في خانة الاتهام أو الخسران، إنما الجميع “مصلحون”! يريدون خير الشعب العراقي لا غير، لاسيما اذا عرفنا أن هذا الاجتماع ضمّ الكُرد والسنّة بشخصياتهم وكتلهم النيابية، وهم من يعيش ابناؤهم اليوم في سلام وأمان بعيداً عن الاضطرابات والدماء وإغلاق المدارس والدوائر والشوارع، لنعرف كم هم أمناء على حقوق المحتجين في ساحات الاعتصام، هؤلاء المجتمعون في دار السيد الحكيم!!
الجماهير تُدينهم بالفساد ويقولون: {إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ}!
قراءة أولية لما جاء في البيان الصادر عن المجتمعين يوم الاثنين الماضي في دار السيد عمار الحكيم، رئيس تيار الحكمة، تكشف نقطة سلبية كبيرة تلقي بظلالها على البيان برمته …