تعد القيادة من الحاجات الضرورية للمجتمعات الانسانية، بل حتى عالم الحيوان يتمتع بنظام قيادي خاص به، فممكلة النحل تعيش ضمن قيادة موحدة، ويسمى القائد لدى هذه الحشرات ” مَلكة النحل”، كذلك بقية الحيوانات، فكيف بالانسان الذي أكرمه الله وشرّفه، وجعله افضل المخلوقات، فالقيادة ضروية لاي مجتمع – بعيدا عن صلاح او فساد تلك القيادة- فهي الضامن الاساس لتحقيق تطلعات المجتمع، وتوجيه طاقاته، ورسم الطريق الصحيح للارتقاء الفكري والثقافي والعمراني لاي مجتمع، وكما أنها حاجة اجتماعية، فهي ايضا حاجة نفسية – في بعض المجتمعات- كما نرى في المجتمعات التي يسودها شخصية القائد او الزعيم، وبعض المجتمعات العربية عاشت هذا النمط من القيادة.
اليوم؛ العراق يمر بمنعطف خطير، وهي موجة التظاهرات التي اجتاحت عدد من مدن البلد منها العاصمة بغداد، فالمتظاهرون نزلوا الى ساحات التظاهر، للمطالبة بالحقوق المشروعة التي كفلها لهم الشرع والقانون.
لكن….
-
من يقود هذه التظاهرات؟
مما لا شك فيه ان خروج المتظاهرين الى الساحات، كانت عفوية، ونابعة عن حاجة واقعية، لكنّ احدا لم يتبنَّ مسؤوليته عن خروج هذه الحشود من الناس، وهنا على الشعب ان يتساءل من دعا الى هذا الخروج؟
وهل يمكن ان نجاح المظاهرات بدون قائد؟
من المسلّم به، ومن التجارب التأريخية الغابرة والموجودة، انه لا يمكن لاي حركة ان تنجح بدون قائد، فالاحتجاجات التي اندلعت في سوريا، لم يُعرف لها قيادة، فقد نزلت الى الساحة اقطاب متعددة، ووجهت المظاهرات الى منزلق خطير، ولا يزال السوريون يعانون منه الى اليوم، فالحرب الاهلية فرضت نفسها، وقُتل الالاف، وهجّر اضعافهم، وهذا كله راجع لعدم وجود قيادة واضحة.
وجود القائد في ساحات التظاهر، يعني وجود موجه لهؤلاء الشباب المتحمس، فلو وجد قائد واحد لما آلت المظاهرات لما آلت اليه في الايام الاولى، فالمندسون وبشتى السبل حاولوا جر المتظاهرين الى صدمات مع القوات الامنية، الذين هم جزء من هذا الشعب، وفعلا حدث ما يؤسف له، فالقائد الذي يريد الخير كل الخير لابناء بلده وجلدته، لا يسمح لاحد من اتباعه، او من يقودهم الى الانجرار خلف العنف في حالات لاتتطلب بتاتا اللجوء الى العنف.
في مظاهرات اليمن، التي اندلعت عام 2011، كانت قيادة التظاهرات واحدة، ومعروفة لدى الجميع، انبثقت من هذه القيادة، لجنة امنية لتنظيم الاحتجاجات، منعا لاي خرق امني قد يودي بحياة المتظاهرين، أو القوات الامنية، فالمداخل المؤدية الى ساحات التظاهر محكمة أمنيا، فقد تم وضع سيطرات للتفتيش، منعا لدخول أي سلاح، وعند خروج المسيرات في الشوراع، كانت اللجان المنظمة تنشر بين الجماهير افرادا، مهمتهم انجاح انسيابية المسيرات، والقبض على المندسين والمخربين إن وجدوا.
إن وجود قيادة يعني، صناعة الرؤية المستقبيلة لهذه الهبات الشعبية، فليس بمقدور أي فرد صناعة رؤية شاملة، وبنظرة واحدة الى واقعية المتظاهرين، نجد انهم قد شذوا عما خرجوا من اجله، فساحات التظاهر اليوم وبعد مرور عدة أيام على سقوط مئات الضحايا، تحولت هذه الساحات الى ساحات كرنفالات، وابتهاجات، لا يُعلم سببها، وهذا ما يؤيد وجود أيادٍ خفيّة تجيّر المتظاهرين لاهداف غير واضحة.
العراق يزخر بقيادات كفؤة، وعلى الجماهير انطلاقا من المسؤولية الدينية والوطنية، ان يختاروا القائد الامثل لهم، ولتكن معايير اختيار القادة هي تلك المعايير التي وضعها القرآن الكريم، فمن احدها التقوى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، فالتقوى من المعايير القرآنية في اختيار القائد،فلا طول اللحية، ولا كبر السن هي مؤهلات للقيادة، فالأتقى والأكفأ والأعلم هي معايير ربانية، لايمكن ان تخطئ في تشخيص القائد،وعلى المجتمع ايضا أن لا يضع القيود الكثيرة في اختيار القائد، والقاعدة المنطقية تقول:( اذا كثرت القيود قلَّ الموجود).
وجود القائد في اوساط المتظاهرين، ضمان لعدم انحراف اهداف التظاهر، ويستتبع هذا ضمان نجاح المطالب الشعبية المحقة، أما في ظل غياب القيادة الحقيقة عن الساحة، فإن ذلك تكريس لواقع مؤلم لايمكن الخروج منه بسهولة، والعاقل من اتعظ بغيره كما يقول الامام علي، عليه السلام.