هناك نصائح تتردد بين الحين والآخر بين الناس، وتنتقل من جيل إلى آخر، كونها تضع النقاط على الحروف وتساعد الشباب على وجه الخصوص كي يؤسسوا ويبنوا حياتهم بالطرائق الصالحة والجيدة، وغالبا ما يحدث نوع من التناقض (بدرجات متفاوتة) بين الأب والابن، أو (بين الشاب والكهل) بشكل عام، نظرا لاختلاف الأزمنة والظروف وطبيعة الحياة بينهما، فزمن الابن لابد أن يكون مختلفا عن زمن الأب.
من المعروف لدينا جميعا بأن الأب يتمسك بقوة بكل الأساليب التي تجعل من ابنه شابًا ناجحا متميزا ومثابرا، وغالبا ما تحدث مقارنة يقوم بها الآباء فيما بين أبنائهم، فهذا الأب ينظر إلى ذلك الأب، وتبدأ المقارنة بين الأبناء وماذا تحقّق لهم نتيجة للتربية الأبوية التي قدمها الآباء لأبنائهم، وهي حالة موجودة بالفعل في المجتمع.
هذه المقارنة حالة طبيعية لها علاقة بطبيعة الإنسان نفسه، كونها تنتمي إلى التنافس الطبيعي بين البشر، ولولا ظاهرة التنافس البشري لما تقدمت البشرية خطوة واحدة إلى أمام، وكل ما تحقق في عالم التكنولوجيا والبرمجيات والاختراعات في عالم اليوم، هو نتيجة حتمية وطبيعية لظاهرة التنافس بين بني البشر كي يتفوق بعضهم على بعض، ويسبق بعضهم بعضا، وهذا بالضبط ما يجعل للأسس التربوية والتعليمية قصب السبق بالنسبة للتقدم.
لكن هناك مشكلة غالبا ما يعاني منها الشاب، وهي تتعلق بطبيعة التربية والتوجيه التي يحصل عليها الشاب من أبيه، ويكمن أساس المشكلة بين زمنين وعصرين مختلفين عاشهما الأب والابن، بحيث لا يمكن أن تكون درجة التشابه بينهما مئة بالمئة، ولا يمكن أن تكون مختلفة مئة بالمئة أيضا، ولكن لابد أن يكون هناك اخلاف كبير بينهما.
هذا الاختلاف بين (معيشة الأب وأفكاره وطرائق حياته)، وبين ما يعيشه الشاب اليوم من ظواهر علمية وتكنولوجية وبرامجية هائلة، يصنع بعض الحواجز بين الشباب والآباء، وهذه في الحقيقة من المشاكل الكبيرة التي يواجهها الشاب العراقي أو الشاب المسلم بشكل عام، فالإنسان يعيش اليوم في خضم ثورة صناعية واقتصادية وتجارية لا تحدّها حدود، ولهذا تجد الشاب أمام سيول من الأفكار والثقافات بحيث يصدمه هذا العالم في كل يوم.
لا يجب إكراه الابن على أفكار معينة يقتنع بها الأب ولا تناسب عصر الابن، فالابتعاد عن الإكراه والتمسك بالإقناع هو الوسيلة التربوية الأفضل والأهم
أما الآباء فقد عاشوا شبابهم في أوضاع مختلفة تماما، لذلك لا يصح أن يجبر الأب ابنه على السلوكيات القديمة التي قام بها الأب عندما كان شابا، اليوم هنالك طرائق حياة أخرى مختلفة، وهناك تطلعات كبيرة لشباب اليوم يحتاجون معها هامشا كبيرا من حرية التفكير، والبحث عن سبل التطور بشكل يومي متواصل، أما دور الأب هنا فهو المراقبة عن بعد والتوجيه المستمر للابن حتى لا ينزلق في عالم الانحراف.
دور الأب في بناء الشخصية الشبابية
يتضمن هذا الدور أهمية كبيرة تعتمد على درجة ثقافة الأب ووعيه ونظرته الجيدة للحياة ومنها:
أولا: أن لا يتدخل بخصوصيات الابن باستثناء الأفكار والتأكد من مصادرها.
ثانيا: توفير الاستقرار المادي للابن، وأيضا الاستقرار الفكري والعقائدي حتى تُبنى شخصيته بطريقة جيدة ومتوازنة.
ثالثا: لا يجب إكراه الابن على أفكار معينة يقتنع بها الأب ولا تناسب عصر الابن، فالابتعاد عن الإكراه والتمسك بالإقناع هو الوسيلة التربوية الأفضل والأهم.
رابعا: توفير الدعم للابن، ومنحه الشعور بالأمان، وبأن هناك من يقف وراء ظهره ويدفعه إلى الأمام، وخاصة قضية التشجيع التي ترفع من معنويات الابن عاليا.
أما دور الابن (الشاب) فتتضمن ما يلي:
أولا: مواكبة فكرية مستمرة لما يستجد في عالم اليوم لاسيما في مجالات الابتكار الفكري وعدم الثبات في منطقة حيادية، وإنما تجديد الأفكار بما يواكب التقدم العالمي المتسارع.
ثانيا: عدم الاعتماد على الأب بشكل كامل، وعلى ما يقدمه له من معونات مادية ومعنوية وفكرية، بل عليه أن يبادر لتحقيق منجزات مستقلة يقوم بها بنفسه.
ثالثا: يجب ألا يصنع الابن قطيعة تامة مع الأب من حيث التفكير وأسلوب الحياة، فهناك فوائد عظيمة يمكن أن يجنيها الابن من تجارب أبيه خصوصا في مجالات الصبر والإصرار والمثابرة في العمل والنجاح.
رابعا: لابد للشاب الابن أن يتمسك بالعقائد والأخلاق الصحيحة التي تربى عليها في بيت أبيه، وتعلمها في تلك البيئة الطفولية الشبابية الآمنة النقية، فالأب الصالح يكون شديد التمسك بتربية ابنه على العقائد الصحيحة والأخلاقيات الأصيلة.
هذه هي خلاصة العلاقة بين الابن والأب، وبين الشباب وكبار الأعمار، القطيعة غير مسموح بها، والإكراه من قبل الكبار (الآباء) ليس صحيحا أيضا، لكن التوازن في هذه العلاقة في غاية الأهمية، وكذلك التفاهم والحوار والاستشارة من أهم ما يجعل هذه العلاقة مفيدة للشباب وهم يبنون حياتهم خطوة خطوة، فشباب اليوم هم قادة الغد، لذا يجب أن تكون علاقة الأبناء بالآباء عميقة ومتماسكة مع الآباء في ظل التوازن والإقناع وعدم الإكراه.