الأخبار

ظاهرة ازدواج العمل؛ بدأت في سنوات الحصار وتحولت اليوم لجزء من واقع الحياة

الهدى – متابعات ..

ظاهرة بدأت خلال سنوات الحصار، تحولت اليوم إلى أسلوب حياة مفروض على شريحة واسعة من المواطنين، لتفتح أسئلة كبيرة حول العدالة الاجتماعية، والتوازن بين العمل والحياة، والآثار التي تتركها على الأفراد والمجتمع.
حول هذه الظاهرة استعرض المستشار المالي لرئيس مجلس الوزراء، الدكتور مظهر محمد صالح تاريخ ظاهرة عمل بعض موظفي الدولة في وظائف متعددة خارج ساعات العمل الرسمية، مشيرًا إلى أنها ظاهرة موروثة بدأت في فترة الحصار الاقتصادي.
ويعزو صالح، اتساع هذه الظاهرة إلى التضخم وضيق العيش الذي كان يعيشه العراقيون في تلك الفترة، حيث انخفض متوسط الدخل السنوي للفرد إلى أقل من 700 دولار، ما دفع العديد من الموظفين الحكوميين للبحث عن مصادر دخل إضافية.
ورغم ارتفاع رواتب الموظفين اليوم إلى ما يقارب عشرة آلاف دولار سنويًا، إلا أن هذه الظاهرة لا تزال قائمة، حيث يشير صالح، إلى أن العمل خارج أوقات الدوام، خاصة في ما يُسمى “الاقتصاد الليلي”، أصبح جزءًا من واقع الحياة اليومية، ولا سيما في قطاع الخدمات.
ولكنه يحذر من أن هذا العمل الإضافي قد يؤثر سلبًا على إنتاجية الموظف في وظيفته الحكومية الرئيسة، ما يقلل من فرصه في التقدم والترقية.
كما يشدد على ضرورة ألّا يتعارض هذا العمل مع طبيعة وقانون المؤسسة الحكومية، التي يعمل بها الموظف، أو ما يُسمى بـ”تعارض المصالح”، مشيرًا إلى أن العمل الإضافي لساعات طويلة يمكن أن يسبب إرهاقًا يؤثر في الإنتاجية العامة للموظف.
من جانبه، حذر الخبير الاقتصادي والمالي ضياء المحسن، من خطورة تفشي ظاهرة تعدد الوظائف بين الموظفين، ويرى فيها تهديداً للعدالة الاقتصادية وفرص التوظيف المتكافئة، مؤكدا أن من يمتلك الخبرة والقدرة على تحمل ضغوط العمل قد يستحوذ على أكثر من فرصة، مما يحد من فرص الآخرين، خصوصاً الشباب أو من يفتقرون للخبرة.
ويرى المحسن أن القضاء على هذه الظاهرة يتطلب سلسلة من المعالجات الجذرية، أبرزها دعم القطاعات الاقتصادية الإنتاجية، وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي، وتوفير فرص عمل مستدامة، إلى جانب تعزيز مبدأ الشفافية ومكافحة الفساد الإداري والمالي.
كما يشدد على أهمية تثبيت سعر صرف الدولار أمام الدينار، ورفع رواتب الموظفين بما يتناسب مع نسب التضخم المتصاعدة التي تنهك القدرة الشرائية للطبقة الوسطى.
ويضيف المحسن أن تنشيط القطاع الخاص يعد خطوة ضرورية لتخفيف العبء عن القطاع الحكومي، وذلك من خلال منح هذا القطاع فرصة تنفيذ المشاريع التنموية وتوفير التمويل الكافي للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، فضلاً عن تقليص الإجراءات البيروقراطية، التي تقف حجر عثرة أمام نمو المبادرات الاقتصادية الفردية.
وفي السياق الاجتماعي والنفسي، يُسلّط الدكتور عدي عبد شمخي، المتخصص في التربية وعلم النفس، الضوء على التداعيات العميقة لظاهرة عمل الشباب في أكثر من وظيفة، ويصفها بـ”التحدي الصامت للاستقرار المجتمعي”.
ويشير في حديث له إلى أن هذه الظاهرة لا تعكس فقط أزمة اقتصادية، بل أيضاً اختلالاً في التوازن بين النظامين الاقتصادي والاجتماعي، لا سيما في ظل الارتفاع المستمر في الأسعار وسوق الإيجارات وسعر صرف الدولار، ما يدفع بالشباب نحو استنزاف طاقتهم في سبيل سدّ احتياجاتهم الأساسية.
ويلفت شمخي إلى أن تعدد الوظائف يرتبط بارتفاع معدلات الطلاق بنسبة تصل إلى 25 بالمئة، نتيجة غياب التواصل الأسري وتزايد الضغوط النفسية، محذراً من أن الظاهرة تهدد النسيج الاجتماعي وتضعف التماسك الأسري، كما أنها تؤدي إلى تفكك العلاقات العائلية وغياب الوالدين عن أدوارهم التربوية، ما ينعكس سلباً على الأطفال ونمط الحياة داخل الأسرة.
ويُبيّن أن آثار الظاهرة لا تتوقف عند الأسرة، بل تمتد إلى الصحة الجسدية والعقلية للعاملين، حيث يزداد خطر الإصابة بالإجهاد، الأرق، الاكتئاب، والقلق، إلى جانب تراجع التنمية المهنية بسبب انشغال الشباب بوظائف متفرقة تحول دون تطوير مهاراتهم التخصصية.
ضمن محاور التحقيق المتعلقة بالجوانب التنظيمية والإدارية، يُسلّط المتحدث الرسمي باسم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، حسن خوام، الضوء على العوائق التي تحول دون معرفة الحجم الحقيقي لظاهرة تعدد الوظائف في العراق، ويؤكد أنه لا توجد إحصائية دقيقة بشأن أعداد المواطنين الذين يمارسون أكثر من عمل خلال اليوم الواحد، مرجعًا ذلك إلى “غياب الشفافية من قبل المشاريع الاستثمارية وأرباب العمل، الذين لا يُفصحون عن الأعداد الحقيقية للعاملين لديهم”، مشيراً إلى “وجود تواطؤ من بعض العاملين أنفسهم، ممّن لا يكشفون عن ارتباطاتهم بوظائف أخرى”.
ويؤكد خوام أن الوزارة تواجه تحديات كبيرة في هذا المجال، أبرزها قلة عدد المفتشين، مما يُعيق حملات التفتيش الميداني الفعّالة، ويحول دون جمع بيانات دقيقة يمكن الاعتماد عليها لتكوين صورة شاملة تُدرج ضمن قواعد بيانات الوزارة.
وعن الإطار القانوني، يوضح خوام أن قانون العمل العراقي رقم 37 لسنة 2015 لا يحتوي على نص يمنع المواطنين من مزاولة عمل ثانٍ خارج أوقات الدوام، لكنه يلفت إلى أن قانون انضباط موظفي الدولة يُلزم الموظف بالحصول على موافقة رسمية من دائرته في حال أراد ممارسة أي عمل إضافي، مؤكدًا أن “كل وزارة مسؤولة عن مراقبة موظفيها بهذا الخصوص، وأن وزارة العمل لا تملك صلاحيات رقابية على موظفي الوزارات الأخرى بعد أوقات الدوام”.

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا