إن خطاب القران الكريم بالمجمل وجه بصيغة الجمع {يَأيُّها} {أَيُّهَا النَّاسُ} {كوْنوا} {اعْمَلوا}، وإن دلَّ فأنه يدل على قيمة أن يكون المجتمع كتلة واحدة ورغم ذلك لا اعرف لماذا يبحث الإنسان أن كيف يظهر ذاته بدل أن يظهر كونه جزءاً من كلٍّ، يتفاعل ويأخذ ويعطي ويشترك بصفات كثيرة ويكون ضمن مجتمعٍ متماسكٍ كخلية النحل فيكونوا مصادقا لقول رسول الله، صلى الله عليه وآله “يدا على من سواهم”، وإلا فأن الأهواء والقيم الزائفة هي من تحكم المجتمع، وتشكل تكتلات غير مرغوب بها تكمن خطورتها في زعزعة ديناميكية المجتمع وتعيق حرته نحو التقدم والازدهار.
وتكمن خطورتها الكبرى في تدعيم انقسامات المجتمع خصوصا إذا استُغلت فكرة دينية منحرفة فتتحول إلى تطرف يجهض حركة الأمة وديناميكية المجتمع، بل وهذا أحد أهم اسباب تباطئ الامة الإسلامية وخمولها، إلا من هدى الله وعلى الرغم من أن القرآن الكريم نبذ هذا الأمر في موارد كثيرة منها: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
ولبيان ذلك في حادثة حدثت في زمن رسول الله، صلى الله عليه وآله، في احدى الغزوات ازدحم اثنان من المسلمين على الماء أحدهما من المهاجرين والآخر من الأنصار فاقتتلا وصرخ كل واحد منهم على قبيلته! وسمع رسول الله صرختهما، فقال: دعوها فأنها منتنة لأنها من دعوى الجاهلية فإن الله جعل المؤمنين إخوة وحزبا واحدا فمن دعا في الاسلام بدعوى الجاهلية يعزر”.
وهذا ليس فقط مثالا بل سنّة نبوية لأنها من قول النبي المعصوم، فمعالجة حالة التشظي عن أن يكون المجتمع يدا واحدة وأمة واحدة هي ما عالجها القرآن في آيات ثلاث:
الأولى: أن يكون المجتمع عصبة واحدة فيقول تعالى: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}. (سورة المؤمنون، الآية:52).
الثانية: جعل معيار اتصال المجتمع وترابطه التقول، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}. (سورة الحجرات، الآية: 13).
وثالثا: جعل إصلاح الخلافات وحل مشاكل المجتمع من موارد رحمة الله، فالصلح سيّد الأحكام والجمع أولى، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}. (سورة الحجرات، الآية: 10).
وهذه الثلاث ركائز ليست فقط تحفظ المجتمع، وانما تجعله يذلّل العقبات للنمو والازدهار من جهة ويكون يدا واحدة على من ظلمهم ولمن يريد أن يفتك به من جهة أخرى.
ونلخص ما ذكر: إن الإنسان بطبعه يأنس بالآخر لذلك سمي إنسانا، اي لابد على الإنسان أن يعي أنه جزء من كل يتفاعل ويأخذ ويعطي ويشترك بصفات كثيرة، ولابد أن يجد الإنسان جماعةً مؤمنة تحمل أهدافا سامية يكون ضمنها، ويتفاعل، ويتكامل فيها ففي دعاء مكارم الاخلاق إشارة إلى هذه المسألة: “وأكمل لي ذلك بدوام الطاعة ولزوم الجماعة”.
وفي الختام يقول الشاعر
تأبى العصي إذا اجتمعن تكسرا
وإذا افترقن تكسرت احادا