ثقافة رسالية

الطاغية والاحتلال وجهان لعملة واحدة

هناك سؤال يتردد في ذكرى سقوط الطاغية صدام

وهو أنه لماذا نذكّر بسقوط صدام؟

فهل يعني هذا تأييد لما بعد صدام؟

او بصيغة أخرى: لماذا تذكرون بسقوط صدام؟ إذن أنتم تؤيدون الاحتلال الامريكي؟

 وهذا السؤال مؤداه مفاضلةً بين حقبتين فاصلتين إذ لا مفاضلة، وترجيحاً بين كفتي ميزان اذ لا موازنة، ومع اننا لم نعش تلك الفترة التي بالكاد الا مقتطفات من نهايتها، لكن نجيب بمصاديقَ تاريخية وبمجريات احداث واقعية.

نقول: إن الطاغية صدام وهذا تاريخ الطغاة فنهايتهم اخس من أفعالهم فالنمرود قتلته بعوضة وفرعون غرق في عرض البحر، إذ كان انطباق البحر بالنسبة له صدمة في مقابل طغيانه الذي وصل به أن يدعي الربوبية.

ومعاوية غرق في الملذات المحرمة بعد أن نصب هو وعائلته العداء لآل محمد، صلى الله عليه وآله، فأغلب طغاة التاريخ ينتهون نهاية بائسة والهدام منهم، إذ أن نهايته كانت صدمة له بعد أن كانت الدنيا بيده فكان يسيّر الجيوش ويقتل الأبرياء، ويقمع الناس ويقطع أرزاقهم وفي النهاية دمر البلاد والعباد، فكانت نهايته أن انتُشل بتلك الطريقة كالجرذ وسجل في مزبلة التاريخ (نهاية بائسة لطاغية نتيجة أعمالا متهورة اخلفت محتلا وشعب فرح باعدام طاغيته).

بعد هذا المقدمة لأنعاش الذاكرة نقول: إن السفينة إذا حصل بها عطب وانكسرت سيتعيّن على جميع الركاب أن يسرعوا ويصلحوا السفينة ويعالجوا الخرق فيها، لئلا يستوسع فتقها وتتحطم في عرض البحر، ولا يعني أن نعالج عطب السفينة بتحطيمها نهائيا، كذلك كان صدام يمثل كسر السفينة وأتى الاحتلال وحطم جزءا كاملا من السفينة.

ولولا ذلك كانت الأرضية مهيئة بقلع الطاغية وانتقال السلطة للمؤمنين ولكن خوف الشعب من ارتباطه وضعف التخطيط، فالضعف يمثل الظروف المحيطة التي حالت دون اكتمال صورة التغيير الشامل رغم ذلك كانت المحاولات والتضحيات تنذر بزوال النظام، وبعد أن أقحم الطاغية نفسه في معادلة ليس لها حل وليس لها نتيجة من البداية فتصوّر أن قدرته وسياسته كافية ليذهب بأي اتجاه فأتخذ اسلوب الحرب داخلا وخارجا فدمر البلاد والعباد.

السؤال الموجه هو ماذا فعل السائل الكريم خلال هذه الفترة:

هل قاومتَ محتلا؟

هل حاولت التغيير مع مَن حاولوا؟

 هل أفشلتَ مخططا أو مؤامرة؟

اذ تأمر على البلد الخارج (المحتل وادواته) في ظل الظروف القاهرة في الداخل تدخل المحتل ورسم خطوط المعادلة الجديدة وحال دون حلم النجاح الباهر الذي كان يحلم به الشعب 

نعود ان الجواب واضح؛ كان لابد من قلع هذا الطاغية وتخليص البلد من شره وعدوانه فأستغل المحتل الظروف وتدخل مع أنه لم يدم لاحقا، إذ تكبد خسائر فادحة وخرج معاقا لأن لهذا الأمر أيضا تجربة سابقة إبان الاحتلال البريطاني فالتاريخ يعيد نفسه.

اذا فإن الطاغية والاحتلال كانا وجهان لعملة واحدة، وبعد ذلك تشكلت خطوط المعادلة الجديدة وانفتح المجتمع على واقعه الجديد، وكان بين إفراط وتفريط في استخدام حريته واستخدمت على النظام وعلى الشعب شتى أنواع المؤامرات، ولا اعرف بعد كل هذا لماذا يتهم المؤمنون وحدهم بأنهم سبب في كل شيء غير انهم  افسحوا المجال الشعب يقرر مصيره لوحده  وظاهرا أن الشعب لم يتشكل له الوعي الكامل ليقرر، إذ كان همه الوحيد كيف يتعامل في ظل هذه الحرية، بل هناك كم كبير من المخططات والمؤامرات التي طبقت عليه لم تدعه يفكر، إلا في كيف يتخلص من مشكلته الحالية إلى أن وصل  الحال أنه ينتظر المشكلة الأخرى.

فخلاصة القول: إن الطاغية كانت نهايته كائنة سواء كان احتلالا مفروضا أو انتقالا للسلطة أو بثورة شعبية ضد الطاغية، وان الاحتلال المفروض كان حلا غير مرغوب فيه، بل غير مرحب فيه، لذلك ولّى معاقا مذموما، فالسؤال الموجه هو ماذا فعل السائل الكريم خلال هذه الفترة:

هل قاومتَ محتلا هل حاولت التغيير مع من حاولوا؟

 هل أفشلتَ مخططا أو مؤامرة؟

 هل تحملتَ مسؤولية داخل المجتمع أو عملت عملا خيريا ليتجاوز الشعب محنه أو مصائبه؛ مؤسسة لخدمة الدِين والمجتمع، او اختصاصا من الاختصاصات اشتغلت به داخل المجتمع، ام مجرد تنظير وزبدا في بحر (فأما الزبد فيذهب جفاء).

هذا يعني أن من ينظر ولم يسهم في المجتمع فهذا زبد في بحر وهو الآخر والطاغية والمحتل كل منكم يحمل معولا ويخرب في تلك السفينة في المجتمع نفسه، بدل أن يسعى لبناء هذا المجتمع ونفعه: {وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ}.

عن المؤلف

كرار الياسري

اترك تعليقا