فکر و تنمیة

خطوات مدروسة لمواكبة التجديد الفكري

الإنسان كائن يتمتع بذكاء عالٍ، وهو يختلف عن الكائنات الأخرى بالعقل والذكاء، ولولا هذه الهِبة الإلهية (هبة العقل للإنسان)، لما اختلف عن سواه من المخلوقات، لكنه بالعقل والذكاء، تميّز وتطور وأصبح قائدا للكائنات ومتحكما بها في نفس الوقت.

مادة العقل هي الأفكار، وفي حال بقيت هذه الأفكار على حالها، وتجمّدت، فإنها سوف تصيب العقل بالجمود والسكون، ومن ثم تصيب الإنسان بحالة التبلّد العقلي، ويصبح العقل هنا بلا فائدة، لأنه يجترّ الأفكار ويعيدها نفسها، ولا يعثر على الجديد منها، وبالتالي يكون عقله بليدا راكدا، ويكون الإنسان نفسه معتقَل من قِبَل أفكار تقليدية.

ولأن الإنسان كائن ذكي، دائما يبحث عن الحلول المناسبة، فإنه رفض قضية الجمود والركود، وعرف خطورتها عليه، ولذا لجأ إلى ما يسمى بـ (التجديد الفكري)، الذي يشبه تماما (حالة الغسيل) التي يقوم بها الإنسان لجسده، فهو قبل الاغتسال جسد ثقيل متعب ومرهق، أما بعد الاغتسال فسوف يصبح جسدا حرّا طليقا مرتاحا.

هذا بالضبط ما يحدث للعقل حينما يتجدد فكريا، هذه الحالة تشبه الغسيل الجسدي، فالأفكار الجديدة المتطورة عندما تقتحم عقل الإنسان، فإنها تقوم بعملية غسيل جيدة مستمرة، تنظف القديم وتجعله قابلا للتطور والتغيير، ولكن هناك شرط مهم جدا في ممارسة عملية التجديد الفكري، والإنسان صاحب العقل الذكي لا يفوته هذا الشرط مطلقًا.

ولو أننا تحدثنا عن الشباب فإننا في الحقيقة سنجد بأنهم الفئة العمرية الأكثر تقبلا وإقبالا على التجديد الفكري، لأن العقل الشبابي يكون مستعدا لاستقبال الأفكار المتجددة، هذا لا يعني أن بقية العقول للفئات العمرية الأخرى تبقى جامدة، وإنما نعني بذلك أن العقل الشاب أكثر تطلعا للأفكار المتطورة بحكم العمر والحماسة التي يتحلى بها.

المطلوب عندما نقوم بعملية التجديد الفكري، أن نتأكد تماما من أن حزمة الأفكار المتجددة تصب في صالح الإنسان وليس ضده، أي أنها ذات طابع إيجابي مفيد للإنسان، ولهذا نحن نرفض أن تقتحم عقولنا تيارات ثقافية فكرية خبيثة مريضة هدفها تدمير عقولنا

أما شرط التجديد الفكري، فهو في الحقيقة مهم جدا بل في غاية الأهمية، حيث يجب أن يرتبط التغيير والتطوير الفكري بالناحية الإيجابية، أو بإيجابية الأفكار وآفاقها المتجددة، فلا فائدة من تبديل أفكار الإنسان عندما تفتقد لشرط الإيجابية، بمعنى ما فائدة أن أستبدل الأفكار بمثلها أو بأدنى منها مستوى وبراعة.

المطلوب عندما نقوم بعملية التجديد الفكري، أن نتأكد تماما من أن حزمة الأفكار المتجددة تصب في صالح الإنسان وليس ضده، أي أنها ذات طابع إيجابي مفيد للإنسان، ولهذا نحن نرفض أن تقتحم عقولنا تيارات ثقافية فكرية خبيثة مريضة هدفها تدمير عقولنا وليس تجديد الأفكار، فهناك فارق كبير جدا بين تجديد الأفكار إيجابيا وتجديدها سلبيا.

في هذه الحالة ما هي الخطوات المهمة التي يجب أن يلتزم بها الشباب في قضية التجديد الفكري:

أولا: جودة الأفكار

كما ذكرنا، لا توجد فائدة من الأفكار المغرضة بل هناك ضرر يلحق الأذى بالعقل والإنسان، ولهذا فإن عملية التجديد الفكري يجب أن تكون مقرونة بجودة الأفكار.

ثانيا: الابتكار

لابد أن تقترن عملية التجديد الفكري بفتح الآفاق الفكرية الواسعة أمام الإنسان، وأن تفتح له الكثير من السبل نحو التغيير والتقدم الإيجابي، وهذا لا يحدث إلا من خلال عملية الابتكار التي يج-ب أن ترافق عملية التجديد الفكري.

ثالثا: عدم المساس بالثوابت

من الأمور الحساسة التي غالبا ما ترافق عمليات التجديد الفكري، هي قضية حماية الثوابت في داخل العقل، والمقصود هنا بالثوابت، عدم تعريض إيمان الإنسان وعقائده إلى لهجومات فكرية مغرضة، وهذه الحالة موجودة بكثرة في عالم اليوم المفتوح على كل شيء، مثال ذلك هناك عقائد ثابتة لا يمكن المساس بها، هذه العقائد لا يمكن أن تكون حقل تجارب بحجة الابتكار والتجديد الفكري، لذا ينبغي الحذر والانتباه إلى هذا الأمر بدقة شديدة.

رابعا: التوازن الفكري

كما هو معروف نحن اليوم نعيش في عالم يضج بالأفكار والتيارات المتناقضة، فالساحة اليوم مفتوحة للجميع، حيث تقتحم الأفكار بعضها البعض، وتواجه الثقافات بعضها البعض أيضا، لذا يجب أن يكون عقلنا الجمعي في حالة من التوازن الدقيق بالتعاطي مع عالم التيارات الثقافية المفتوحة، فنحن لا نخشى الأفكار الأخرى، ولكننا في نفس الوقت على حذر تام من التأثّر بها، لأننا متمسكون بثوابتنا الفكرية والعقائدية. ما نخلص إليه في الخاتمة، أن شبابنا وأناسنا جميعهم، يجب أن يتواصلوا مع تجديد عقولهم حتى يواكبوا ما يجري في عالمنا المتطور بشكل سريع جدا، ولا ينغلقوا ويبتعدوا عن المواجهة، فالعقل الإسلامي ليس عاجزا عن اقتحام ساحة الأفكار، وله القدرة على مواجهة التيارات الأخرى، ولكن في نفس الوقت لابد أن لا يتم هذا التجديد على حساب الثوابت المعروفة.

عن المؤلف

حسين علي حسين/ ماجستير إدارة أعمال

اترك تعليقا