لِمن القبور الدارسات بطيبة
عفّت لها أهل الشقا آثارا
قُل للّذي أفتى بهدم قبورهم
أن سوف تصلى في القيامة نارا
أعَلِمتَ أيَّ مراقد هدمتها
هي للملائك لا تزال مزارا
عذرا منك يا بقيع الغرقد، ها قد حلّ عام اخر، وانت لا زلت تحتضن أبشع جريمة نكراء، يندى لها جبين الضمير الحي والإنسانية بكل مقاييس العالم، جريمة تجاوزت حدود قدسية ارض طهرت بمن طهرهم الله تطهيرا.
ترى هل لازلت تسمع اصوات معاولهم الهدامة؟
هل لا زلت تأن كما يأن قلبنا ويعتصر لهول المصيبة؟
استغرب هدؤك!
لماذا انت صامت ولم تزلزل الارض تحت اقدامهم؟
او ربما انت من المنتظرين للطالب بدم المقتول في كربلاء؟
انا لا ألومك بشيء، لان ما تشعر به نشعر نحن به، لا حيلة لنا سوى الانتظار، فللظلم جولة، وللحق دولة بأذن الله تعالى، وما هي الا مسألة وقت، وسنحج اليك في قوافل من نور تحت لواء مهدينا عجل الله تعالى فرجه الشريف.
نعم هي مقدساتنا، مراقد ائمتنا النجباء، عاثت بها امة الارجاس فسادا، فهدمت قبابها، بمعاول عانقت سيف ابن ملجم فكانت كضربة واحدة، شج بها رأس أبو الايتام، وتهاوت بعد حين قباب اضرحة ابناءه الميامين.
ومن حق اجيالنا ان تسأل:
لماذا هدم الوهابيون قبور أئمة البقيع؟
ومن واجبنا وتكليفنا الشرعي ان نبحث ونجيبهم كما وثقه التاريخ بوصمة عار على جبين تلك الفئة الضالة، حيث يعتقد الوهابيون، أن زيارة وتعظيم قبور الأنبياء وأئمة أهل البيت عليهم السلام، هي عبادة لأصحاب هذه القبور وشرك بالله، يستحق معظمها القتل وإهدار الدم!
نعم يا جيل المستقبل، هذا هو مربط الفرس الذي تمسكوا به رغم الأدلة الكثيرة التي تدمغ تلك الحقيقة المزيفة، والدليل من القرآن الكريم، اذ يعظّم المؤمنين ويكرّمهم بالبناء على قبورهم، حيث كان هذا الأمر شائعاً بين الأمم التي سبقت ظهور الإسلام،
فيحدّثنا القرآن الكريم عن أهل الكهف، اذ نرى انقسام الناس إلى قسمين: قسم يقول: {ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا} تخليداً لذكراهم، بينما نرى القسم الاخر يدعون إلى بناء المسجد على الكهف، كي يكون مركزاً لعبادة الله تعالى بجوار قبور أولئك الذين رفضوا عبادة غير الله جل وعلا.
فلو كان بناء المسجد على قبور الصالحين أو بجوارها علامة على الشرك، فلماذا صدر هذا الاقتراح؟! ولماذا ذكره القرآن دون نقد أو ردّ؟! أليس ذلك دليلاً على جوازه؟
{قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا} فهذا تقريرصرح وواضح من القرآن الكريم على صحّة اقتراح بناء المسجد، ومن الثابت أنّ تقرير القرآن حجّة شرعية.
أحد الكتّاب الشيعة يذكر من كتاب موسوعة العتبات المقدسة لأحد السنة المحققين: “أصبح البقيع في أرض المدينة المنورة مدفناً لعدد من عظماء المسلمين وأئمتهم وأعلام الأنصار والمهاجرين، وكان النبي، صلى الله عليه وآله، يقصد البقيع يؤمّه كلما مات أحد من الصحابة ليصلي عليه ويحضر دفنه، وقد يزور البقيع في أوقات أخرى ليناجي الأموات من أصحابه”.
وحدّث محمد بن عيسى بن خالد عن عوسجة قال: كنت أدعو ليلة الى زاوية دار عقيل بن أبي طالب التي تلي الباب، فمرّ بي جعفر بن محمد ـ يعني الإمام الصادق، عليه السلام، فقال لي: أعن أثرٍ وقفت هاهنا؟ قلت: لا، قال: هذا موقف نبي الله، صلى الله عليه وآله، بالليل إذا جاء يستغفر لأهل البقيع.
لذلك كبر شأن البقيع وكثر رواده بقصد الدعاء والاستغفار أو الترويح عن النفس، طبقاً للحديث الوارد: “إذا ضاقت الصدور فعليكم بزيارة القبور”، حتى أصبح ملتقى الجماعات، والظاهر أنّ هذه المقبرة ظلّت عامرة بأضرحتها وابنيتها والقبب القائمة على مدافن المشاهير والأعلام، حتى جاء ذلك اليوم بمصيبة الهدم المفجعة.
وعلينا ان نعلم إن اخفاء تاريخ البقيع عن الناشئة والشباب وتعمد تجاهله، جاء من قلة المصادر والتعتيم الإعلامي المغرض، بهدف التقليل من أهميته، اذن لا يكفي حين نحي هذه الذكرى الأليمة ان نذرف الدموع ونقيم مجالس العزاء فقط، رغم انها وسيلة فعالة لنشر المظلومية، بل علينا ان نكشف اللثام عن هذا الفكر الهدام للعقيدة الإسلامية، من خلال تسليح اجيالنا ثقافيا بالمصادر الموثوقة التي تؤرخ حقائق مصائب اهل البيت عليهم السلام.
علينا ان نقوي شخصيتهم ونرسخ هويتهم ونعدهم اعدادا صحيحا لمجابهة أي فكر ضال يستهدف تراثهم الديني، فلا نترك مناسبة إسلامية الا وكثفنا البحث حولها وذكرها لهم بتفاصيلها بأسلوب تجعلها تعلق بالاذهان، ونسعى جاهدين الى تخليد ذكراه رغم ما طاله من هدم لاخفاء معالمه، بهدف دثره وطمس معالمه على مر العصور، لكن هيهات هيهات {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}.
فالسلام عليك ايها البقيع الحزين، وانت شاهد حق على مصاب الهدم الفجيع
السلام عليك وانت تذرف دموع الحسرة واللوعة على قبور اولياء كشفت في العراء تلفحها حرارة الشمس كسجد غريب كربلاء المرمل بالدماء. {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ}