الهدى – قم المقدسة ..
في أجواءٍ علمية وروحانية، يواصل سماحة المفكر والمربي آية الله السيد هادي المدرسي، حفظه الله، دروسه التفسيرية في سورة الإنسان، حيث ألقى محاضرته الرابعة عشرة في حسينية الإمام الحسن المجتبى عليه السلام بمدينة قم المقدسة، متناولًا موضوع الزمان في الدنيا والآخرة، مستندًا إلى آيات قرآنية وروايات أهل البيت عليهم السلام.
واستهلّ سماحته حديثه بتوضيح العلاقة الوثيقة بين الزمن وحركة الشمس والقمر، حيث أشار إلى أن “حركة الأرض حول محورها ودورانها حول الشمس هو الذي يحدد الليل والنهار، ويجعلنا نقيس أعمارنا وعباداتنا وفق هذا النظام الإلهي”، موضحا كيف أن الإسلام جعل العبادات مرتبطة بهذه الحركة، فقال: “صلاتنا ترتبط بالفجر والزوال والغروب، وصيامنا مرتبط بالقمر”.
وانتقل السيد المدرسي إلى الحديث عن مفهوم الزمان في الحياة الآخرة، مستشهدًا بالآية الكريمة: “لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا” (الإنسان: 13)، حيث أوضح أن الزمان في الدنيا قائم على تعاقب الليل والنهار، أما في الآخرة “فالزمن متوقف، وهو أمر مبهج لأهل الجنة، لكنه في المقابل أمر مخيف بالنسبة لأهل النار الذين سيبقون فيها أبدًا بلا انقطاع”.
كما أشار إلى حديث الإمام الرضا عليه السلام حول علاقة الشمس والقمر بالعرش الإلهي، حيث قال: “إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى، يجريان بأمره، مطيعان له، وضوؤهما من نور عرشه، وحرهما من جهنم، فإذا كانت القيامة، عاد إلى العرش نورهما، وعاد إلى النار حرهما، فلا يكون شمس ولا يكون قمر”.
وأكد السيد المدرسي أن الأمة الإسلامية أهملت البحث في علوم الطبيعة والفلك، على الرغم من أن القرآن وأهل البيت عليهم السلام شددوا على أهميته، مشيرًا إلى أن “الإمام الصادق عليه السلام كان يولي اهتمامًا كبيرًا بعلوم الفيزياء والكيمياء، وكان تلميذه جابر بن حيان مؤسس علم الكيمياء”.
وانتقد سماحته انشغال الأمة بقضايا غير منتجة، في حين أن الأمم الأخرى تقدمت في دراسة الكون وأسراره.
وفي سياق متصل، تطرق سماحته إلى بعض الشهادات حول تجارب الاقتراب من الموت، حيث ذكر قصة امرأة تحدثت عن مرورها بتجربة خروج الروح، ووصولها إلى عوالم أخرى، حيث وصفت انتقالها بين السماوات السبع بسرعة هائلة، ثم طلبت العودة إلى الدنيا، فكان الزمن بالنسبة لها مختلفًا تمامًا عن الزمن الذي نعرفه في الدنيا.
وفي محاضرته تناول سماحته موضوع الإيمان وأثره في حياة الإنسان، متحدثًا عن الجزاء الإلهي للمؤمنين، ومستشهدًا بآيات قرآنية وروايات توضح النعيم الذي ينتظرهم في الجنة.
وأوضح أن الجنة دار الخلود التي أعدّها الله لعباده الصالحين، حيث ينعمون بالراحة الأبدية والسرور الدائم، بعيدًا عن الهموم والأحزان، مؤكدا على أن الله وعد المؤمنين بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وأنهم سينالون السعادة الحقيقية التي تفوق كلّ متع الدنيا، حيث تفيض أنهار الجنة باللبن والعسل، وتنتشر فيها الروائح الزكية، ويعيش أهلها في قصورٍ من ذهب وفضة، محاطين بالرضا الإلهي والراحة التامة.
واختتم السيد المدرسي محاضرته بالتأكيد على ضرورة تدبر آيات القرآن الكريم والتفكر في خلق الله، قائلًا: “كما أن هناك بُعدًا زمنيًا يربطنا بالحياة الدنيوية، فإن هناك واقعًا مختلفًا تمامًا ينتظرنا في الحياة الآخرة، حيث لا وجود للزمان بالمفهوم الذي نعرفه، وهذا ما يدعونا إلى إعادة النظر في رؤيتنا للحياة والموت والخلود”.
هذا وتعد هذه المحاضرة جزءًا من سلسلة دروس تفسيرية يقدمها سماحة السيد هادي المدرسي، حيث يواصل تقديم رؤى قرآنية وفكرية تتناول مواضيع روحية وعلمية واجتماعية.