الهدى – وكالات ..
أعلنت وزارة الحج والعمرة السعودية عن قرار تقليص نسبة أعمار كبار السن المشمولين بالحج ممن هم من مواليد 1954 فما دون، وأن تكون نسبتهم هذا العام ٧% فقط، “وفق اجراءات احترازية وجدتها السعودية ضرورية للحفاظ على سلامة الحجاج من كبار السن”.
أوراق التباهي السعودي بـ”فنّ إدارة الحشود” بدأت تخسرها “المملكة” تباعاً، ولم يكن الأمر بحاجة لانتظار القرارات الرسمية، فالواقع على الأرض كان كفيلاً بتعرية القدرات المترهّلة لإدارة حشود الحج والعمرة مع تزايد أعداد الضحايا عاما تلو الآخر، رغم ما تدّعيه البلاد من تطويرأساليبها.
والعام الماضي شهد موسم الحج كارثة حقيقية ومأساة إنسانية، إذ فقد المئات من الحجاج أرواحهم نتيجة سوء إدارة موسم الحج من قبل السلطات السعودية.
وما أثبتته كاميرات الحجاج شكّل إثباتاً قويّاً على ضلوع إدارة الحج بمفاقمة مأساة الحجاج سيّما من الكبار بالسنّ، حيث أظهرت الكثير من مقاطع الفيديو تعمّد رجال الأمن -المنوطين خدمة الحجاج- إهمال نداءات الحجاج الذين انتكسوا جراء درجات الحرارة المرتفعة أو جراء تعثّر، وهو ما عمد “النظام” بعدها على نكرانه وادّعاء “نجاح موسم الحج 2024”! حتى أسفرت الكارثة عن وفاة قرابة 1500 حاجّ.
أصوات كثيرة تتعالى ضد الإهمال الإداري الذي بدا متعمّداً ومكفولاً من قِبل السلطات، متذرّعة بحجج “الحج دون تصريح” لتبرير الكارثة، ومستندة إلى ماكينة إعلامية جرّمت الحجاج الذين يؤدون المناسك دون المرور بالتعقيادات الإجرائية التي أهلكت كاهل المسلمين من جميع أسقاع العالم، وجعلت الحصول على فرصة الحج متعبة نفسيا وماديا.
حتى وصل الأمر بالحكومة في تبرير كارثة الحج أن استعانت برجال الدين، حيث خرج “عضو هيئة كبار العلماء” سعد الشثري على قناة إم بي سي السعودية ليكمل دعاية السلطات ويعطيها الغطاء الشرعي عبر تحريض العلماء في أصقاع الأرض السير مع خطى السعودية وإصدار فتاوى تحرّم الحج دون تصريح.
وللمفارقة، فقد تمثّلت أحد أهم أشكال الانتهاكات في امتناع السلطات عن إصدار تأشيرات الحج والعمرة للنشطاء والعلماء والأكاديميين والمثقفين والمفكرين والإعلاميين وغيرهم من مختلف الفئات الاجتماعية والثقافية، الذين يختلفون مع السلطات “السعودية” في الرؤى والمواقف السياسية أو الفكرية، حيث كان لهذا التضييق على إعطاء تراخيص الحج تناقضا مع دعوة السلطات الحصول على التصريحات.
كما أن أصل فكرة تصريح الحج لقت انتقادات عديدة، خاصة أن السعودية لم تبخل على ميزانيتها باستقبال الأشخاص الذين يتقدمون للحصول على فيزا سياحية، حتى لو كانت تعلم علم اليقين أن أكثر من نصف المتقدمين للحصول على هذه التأشيرات لا ينوون قصد حفلات الفجور التي تنظمها السلطات بل هم ممن لم يتمكنوا من الحصول على هذا التصريح إما بسبب القيود التي وضعتها السعودية أمام أعداد المسموح لهم أداء الفريضة أو بسبب ارتفاع تكاليف الحج وصولا للعشرة آلاف دولار وأكثر في بعض الدول مقارنة مع دخول بلاد الحرمين بالتأشيرة السياحية.
وأخيرا بدات حملتها لمنع اصطحاب الأطفال إلى المسجد الحرام تحت حجة ضبط الهدوء وحماية الأطفال، وسط توقعات بأن يمتد استبعاد الأطفال عن الأجواء الروحانية إلى موسم الحج هذا العام.
وحتى وإن كان لاصطحاب الأطفال خطرا عليهم، فإن مسارعة السلطات لفرض منع استقدام الأطفال وتواجدهم في الحرم المكّي يشكّل تهرّبا من مسؤولياتها.
وهنا نلحظ أن حتى البالغين لم يسلموا من غياب التنظيم في مراسم الحج والعمرة، ما يؤكد أن قرار استبعاد الأطفال، ممن هم دون السن القانوني، هو محض تبرّؤ من مسؤولية أي ضرر قد يلحق بهم. وتدّعي السلطات السعودية عملها على توسعة الحرم المكي بما يسمح لأعداد أكبر بقصد الحرم، إلا أن أعداد الحجيج شهدت تأرجحاً بين الارتفاع والانخفاض بصورة غير متناسقة، ففي عام 2012 كان عدد الحجيج حسب الإعلان الرسمي 3.2 ملايين ، حاج، وفي العام 2023 وبعد خروج العالم من الإجراءات الاحترازية من وباء كورونا بشكل تام كان عدد الحجاج 1.8 مليون حاج، أي بفارق 1.4 مليون حاج على الرغم من التوسعة الجديدة للحرم المكي، وفي كل عام تشهد هذه الأرقام تغيرات بما لا يخضع لمعايير واضحة.