قال الإمام علي عليه السلام: ” بادروا بالأعمال عُمُراً ناكساً، ومرضاً حابساً، أو موتاً خالساً”
تُعدُّ المبادرة من أبرز سمات العظماء والأشخاص الناجحين والمؤثرين في مجتمعاتهم، حيث تعكس القدرة على اتخاذ القرار الحاسم، وتحمل المسؤولية، والبدء بخطوات إيجابية دون تردد.
وتبرز هذه الصفة بوضوح في شخصية الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الذي كان نموذجًا حيًّا للمبادرة في مختلف مراحل حياته. فقد امتزجت مبادراته بالشجاعة، الحكمة، والتفاني في خدمة الإسلام والإنسانية.
مفهوم المبادرة وأهميتها في تحقيق النجاح:
المبادرة تعني الإقدام على فعل شيء إيجابي دون انتظار توجيه مباشر، وهي تعكس قدرة الفرد على اتخاذ قرارات جريئة وسريعة والعمل على تحقيق أهدافه بإصرار وثقة. وتلعب المبادرة دورًا جوهريًا في النجاح للأسباب التالية:
1. استغلال الفرص: المبادر يملك رؤية ثاقبة تمكنه من اغتنام الفرص قبل ضياعها.
2. تنمية مهارات القيادة: الأشخاص المبادرون يتخذون قرارات حاسمة، ما يعزز قدرتهم على التأثير في الآخرين.
3. تحقيق التقدم الشخصي والمهني: المبادرة تفتح آفاقًا جديدة للتعلم والتطور.
4. حل المشكلات: المبادرون لا يكتفون بملاحظة المشكلات، بل يسعون لإيجاد حلول مبتكرة لها.
5. إلهام الآخرين: المبادرة تحفز المحيطين على تبني سلوك إيجابي وبنّاء.
المبادرة في شخصية أمير المؤمنين علي (عليه السلام)
أمير المؤمنين علي، عليه السلام كان مثالًا حيًّا للمبادرة في كل مواقفه، حيث امتزجت هذه الصفة بشجاعته وإخلاصه لله تعالى، فكانت المبادرة صفة بارزة في حياته، يظهرها مرةً بكلماته وتوجيهاته، وأخرى بأفعاله وسلوكه.
المبادرة في كلام أمير المؤمنين عليه السلام:
قال الإمام علي عليه السلام:
– ” بادروا بالأعمال عُمُراً ناكساً، ومرضاً حابساً، أو موتاً خالساً”
– وقال عليه السلام أيضاً: “بادروا آجالكم بأعمالكم، فإنكم مرتهنون بما أسلفتم، ومدينون بما قدمتم”.
– وقال أيضاً: “بادروا بعمل الخير قبل أن تشتغلوا عنه بغيره”.
– وقال: “بادر الفرصة قبل أن تكون غصة”
وأما عن المبادرة في سلوكه وأفعاله فمن أبرز مواقفه التي تُجسد هذه الصفة ما يلي:
1ـ المبادرة في الطاعة لله والعبادة له والإيمان به، حيث كان عليه السلام كما ورد في صفته:
” أول القوم اسلاماً وأقدمهم إيماناً”
فهو كان أول المبادرين للتصديق بالرسالة الجديدة وأسلم لها، أما عن إيمانه فهو قديم أي أنه مؤمناً بالفطرة.
وهكذا نجده يطلب من الله عزوجل أن يعينه على طاعته وعبادته، ويطلب منه السرعة ليكون من المبادرين في ذلك فما ورد عنه عليه السلام في دعاء كميل:
” يا رَبِّ، قَوِّ عَلى خِدْمَتِكَ جَوارِحي وَاشْدُدْ عَلَى الْعَزيمَةِ جَوانِحي وَهَبْ لِيَ الْجِدَّ في خَشْيَتِكَ، وَالدَّوامَ فِي الْاِتِّصالِ بِخِدْمَتِكَ، حَتّى اَسْرَحَ اِلَيْكَ في مَيادينِ السّابِقينَ وَاُسْرِعَ اِلَيْكَ فِي الْمُبادِرينَ”
2- مبادرته في نصرة النبي (صلى الله عليه وآله) منذ صغره.
كان أمير المؤمنين علي، عليه السلام أول من استجاب لدعوة النبي، صلى الله عليه وآله، عندما أعلن رسالته. فعندما دعا النبي بني هاشم للإيمان برسالته، حيث تكلم رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: “يا بنى عبد المطلب، انى والله ما اعلم أن شابا في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، انى قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد امرني الله أن أدعوكم إليه، فأيكم يوازرني على هذا الامر، على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم فأحجم القوم عنها جميعا”.
كان الإمام علي (عليه السلام) هو الوحيد الذي بادر قائلاً:
“وقلت: أنا يا نبي الله أكون وزيرك على ما بعثك الله به.
– وأني لأحدثهم سنا وأرمصهم عينا، وأعظمهم بطنا، وأحمشهم ساقا انا يا رسول الله أكون وزيرك عليه، فأعاد القول، فأمسكوا واعدت ما قلت، فاخذ برقبتي، ثم قال لهم هذا أخي ووصيي و خليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا”. هذا الموقف يعكس إدراكه المبكر للمسؤولية واستعداده لتحملها رغم صغر سنه.
كما كان عليه السلام مبادراً دائماً في الدفاع عن رسول الله والذب عنه منذ أن كان طفلًا في مكة وحتى وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله على حجره.
3- مبادرته في ليلة الهجرة في المبيت وفداء رسول الله:
عندما خطط المشركون لاغتيال النبي (صلى الله عليه وآله)، بادر الإمام علي (عليه السلام) بالنوم في فراش النبي مخاطِرًا بحياته ليحميه من مكيدة قريش. كانت هذه المبادرة مثالًا عظيمًا على التضحية والإيثار.
4- مبادرته في أنه كان أول من ضرب بالسيف في سبيل الإسلام، وكانت المرة الأولى في أن مسلماً يضرب بسيفه الكفار هي بعد نجاته في حادثة المبيت وهجرته للمدينة وفي الطريق وعندما كان متكفلاً بالفواطم، أرسلت قريش خلفه عشرة رجال ليردوهم إلى مكة فما كان منه الا ان شهر سيف وهو أول سيف يشهر في الإسلام وقتل قائدهم فانهزم الباقين وأكمل مسيره.
5- مبادرته في المعارك والغزوات
أمير المؤمنين علي، عليه السلام كان مثالًا حيًّا للمبادرة في كل مواقفه، حيث امتزجت هذه الصفة بشجاعته وإخلاصه لله تعالى، فكانت المبادرة صفة بارزة في حياته، يظهرها مرةً بكلماته وتوجيهاته، وأخرى بأفعاله وسلوكه
في مختلف الغزوات، كان الإمام علي (عليه السلام) دائمًا في مقدمة الصفوف، لا يتردد في مواجهة الأعداء. ومن أبرز مواقفه في هذا السياق معركة الخندق،
لقد خرج عمرو بن عبد ودّ العامري في معركة الخندق (الأحزاب) منادياً: هل من مبارز؟ فلم يجبه أحد من المسلمين، فقال الإمام عليّ (عليه السلام): أنا له يا رسول الله، فقال له النبيّ إنّه عمرو، فسكت، فكرّر عمرو النداء ثانية، وثالثة والإمام عليّ (عليه السلام) يقول: أنا له يا رسول الله، والرسول يجيبه: إنّه عمرو، فيسكت، وفي كلّ ذلك يقوم علي فيأمره النبيّ بالثبات، انتظاراً لقيام غيره من المسلمين، ولكنّهم كانوا كأنّ على رؤوسهم الطير من شدّة الرعب.
وطال نداء عمرو بطلب المبارزة، وتتابع قيام أمير المؤمنين، فلمّا لم يقدم أحد من الصحابة، قال النبي: يا علي، امضِ لشأنك، ودعا له، ثمّ قال: “برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه”.
وفي معركة خيبر بادر الإمام علي، عليه السلام، للهجوم وتمكن من فتح الحصن الذي استعصى على غيره، ما يعكس شجاعته وروح المبادرة لديه.
وهكذا هو في كل المعارك والحروب التي خاضها رسول الله صلى الله عليه وآله لإرساء دعائم الإسلام فقد قام الإسلام على دعائم منها سيف علي عليه السلام ومبادرته.
6- المبادرة في تربية الأبناء وتعليمهم قبل أن يكبروا وقبل أن تقسوا قلوبهم فيقول عليه السلام في وصيته لابنه الإمام الحسن المجتبى عليه السلام:
” بَادَرْتُ بِوَصِيَّتِي إِلَيْكَ وَ أَوْرَدْتُ خِصَالًا مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يَعْجَلَ بِي أَجَلِي دُونَ أَنْ أُفْضِيَ إِلَيْكَ بِمَا فِي نَفْسِي أَوْ أَنْ أُنْقَصَ فِي رَأْيِي كَمَا نُقِصْتُ فِي جِسْمِي أَوْ يَسْبِقَنِي إِلَيْكَ بَعْضُ غَلَبَاتِ الْهَوَى وَ فِتَنِ الدُّنْيَا فَتَكُونَ كَالصَّعْبِ النَّفُورِ وَ إِنَّمَا قَلْبُ الْحَدَثِ كَالْأَرْضِ الْخَالِيَةِ مَا أُلْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيْءٍ قَبِلَتْهُ فَبَادَرْتُكَ بِالْأَدَبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسُوَ قَلْبُكَ وَ يَشْتَغِلَ لُبُّكَ لِتَسْتَقْبِلَ بِجِدِّ رَأْيِكَ مِنَ الْأَمْرِ مَا قَدْ كَفَاكَ أَهْلُ التَّجَارِبِ بُغْيَتَهُ وَ تَجْرِبَتَهُ فَتَكُونَ قَدْ كُفِيتَ مَئُونَةَ الطَّلَبِ وَ عُوفِيتَ مِنْ عِلَاجِ التَّجْرِبَةِ”
وهنا أمير المؤمنين عليه السلام يعلمنا درساً في المبادرة بتربية الأبناء والاهتمام بهم وعدم اهمالهم حتى لا يسرقهم منا الشيطان واعوانه وحتى لا تتسرب لهم الأفكار الخاطئة والعقائد الباطلة، فلابد من المبادرة لتربيتهم وتعليمهم وكما يقول الإمام علي (عليه السلام): “علموا صبيانكم من علمنا ما ينفعهم الله به، لا تغلب عليهم المرجئة برأيها”
وأيضاً أكد ذلك الإمام الصادق (عليه السلام): “بادروا أحداثكم بالحديث قبل أن تسبقكم إليهم المرجئة”
فهكذا هو أمير المؤمنين عليه السلام هو قدوة في كلامه وأفعاله وسيرته وكل حياته فهو عليه السلام كان أول المبادرين دائماً في كل الأمور والأحوال وكما يقول الشاعر السيد رضا الهندي:
مَنْ غيرُكَ يُدعــى للحَـــــرب
وللمِــحرابِ وللـمِـنبــــــرْ
أفعالُ الخـيـرِ إذا انتَشَـــــرَت
في الناسِ فأنتَ لها مصدرْ
وإذا ذُكِـــرَ المَعــــروفُ فمــا
لِسواكَ بـه شـيءٌ يُذكــــــرْ
أحيَيْتَ الديـنَ بأبيَضَ قــــد
أودَعـتَ به الموتَ الأحمَـــرْ
قُطباً للحربِ يُديـــرُ الضـــربَ
ويَجلُو الكَـرْب بيومِ الـكَــــرْ
فالمبادرة ليست مجرد تصرف عابر، بل هي سلوك يعكس قوة الشخصية والقدرة على التأثير الإيجابي في المجتمع، وقد كان الإمام علي (عليه السلام) نموذجا رائعا للمبادرة التي جمعت بين الإقدام، الحكمة، والتضحية. إن استلهامنا من سيرته المباركة يمنحنا دروسا عميقة حول كيفية استثمار المبادرة لتحقيق النجاح على المستوى الفردي والمجتمعي، فالإمام علي، عليه السلام، لم يكن ينتظر الفرص بل كان يصنعها، وهذا هو جوهر النجاح الحقيقي.