أدب

الليلة ذاتها

أيّ كون يحتويك يا وعاء الأكوان، يا أيها البهيّ المحاط بنور الجلالة، ماذا ترى يا سيدي؟

هل اضطربت ملائكة السماء لتفصح عن حادث جلل؟

ماذا ترى أيها المبصر الثاقب الذي تكشفت له الحجب والكثير الكثير أصابهم العمى!

أهي الليلة الموعودة ذاتها يا أفق الحضارات ومعينها الذي لا ينضب؟

نعلم بأنك تعلم ما تخفيه ليلتك وما هو كائن وما سيكون يا سراج الأمم فإنّ العواصف على مَرّ التاريخ لا تهجع ولكل عصر عاصفة، وهذا القلق.. هذا القلق استفاق ليطوف حولك يا وليد الحرم، هل هو قلق الموت والرحيل؟

حاشاك سيدي من كل موت وظلام، فأنت الحياة، وأنت الضياء الذي مزّق الداجيات.

أم أنه قلق الهموم التي ملأت قلبك الكريم قيحا؟

أم هو الخوف على الرعيّة من خطوب الزمان الذي سيفتقدك وما ستخلفه عواصف الدهور بعدك أيها الإمام الكون؟

فلولاك سيدي لا زمان ولا مكان، ولولاك يسقط التاريخ يا كلّ التاريخ، أم هو قلق العقول العظيمة يا نعمة السماء؟ أم هو قلق شوق العاشق الى معشوقه؟

سلام عليك يا سيدي … يا أمير السلام

قم يا أبا فقد لاح وقت الأذان، هذا ما قالته ابنتك العزيزة أم كلثوم وهي توقظك، يا سيدي، إن جموع المصلّين المُحبين تنتظرك الآن، فلا صلاة إلا خلفك، ولا بصيرة الا رؤاك، ولا فضيلة الا هواك، ولا طريق الا مداك، يا جريء الخطى، وذرات التراب مباركة بأقدامك المباركة، يا سيد الإقدام والولوج الى ملكوت الله، لن تعرف روحك الرجوع، فأنت كرارها وقاهر الأهوال.

وأنتِ أيتها الإوز، أتنذرين الإمام بشيء جَلل؟

أم تطمعين بشيء من بحر كرمه لقلبك الطافح بالمحبة والوفاء؟

وكيف لا وأنت ربيبة هذا الدار.. دار عظيم بأنبل خصال

دعي الإمام يمر، فقد حان وقت الصلاة، وجموع المحبين بانتظار بهائه الكريم

سيدي هذه الإوز أفقه وأحنّ عليك ممن وقفوا ليوقفوا نهر نورك الطهور، نهرك الذي لن يتوقف عن الترحال، يا نهر الطيبة والعلوم والمحبة والبركات.

هذا هو الفجر يناديك، وأنت أهل لهذا النداء، ونعلم أنك لا تخيّب من يناديك يا كريم العطاء أيها المتوغل في القلوب نورا ورحمة وطمأنينة.

أية يد كريمة هذه التي خلقت من نور رحمته تمسك بالميزان لتثبت عدل السماء وتحفظه من ميلان الدهور، وتمر على رأس يتيم فتتدفق حناناً وأماناً، وتسطع منها شموس الكلمات، لتدوِّن على قراطيس الأزمنة دستورها وعلومها ولترسم طريقها نقاء ونعيما.

وتتضرع فتدعو ربّ الأكوان ليعيد الشمس من غروبها لكي تصلي، أية يد هذه يا سيد الكلمات، ويا أفصح المتكلمين، ويا أكتب الكاتبين وهي ذات اليد التي رسّخت بعدل السيف مفاهيم الحق والتوحيد والقيم ومكارم الأخلاق وإزهاق الباطل.

هي ذات اليد التي اقتلعت باب خيبر التي عجزت جموع عن قلعها أية يد هذه وهي تفيض بهذا الكرم الجميل فتتصدق بالخاتم أثناء الركوع بسم الله الرحمن الرحيم {إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون}. صدق الله العلي العظيم.

أذهلت العالم بخصالك يا بديع الخصال وتحيّرت لفعالك الألباب، بك استنجد الشجعان، وتفقّه بفقهك العلماء، يامن زُقّ العلم زقاً، هذا صراطك الحق والآفاق تدعوك، وأبواب السماوات تفتحت لهذا الرحيل، يا سيد المهاجرين لله، يا عاشق الرحيل ويا سيد العاشقين.

وأنت أيها الباب، يا باب بيت الرحمة والفيض الإلهي أتمسك بمئزره؟

 وهو الذي تفتحت له كل الأبواب  وهو باب مدينة علم المصطفى، صلى الله عليه و آله وسلّم، أتمسك به وهو الذي طلّق الدنيا ثلاثاً رغبة في الرحيل الى الله  وشوقاً لعرس اللقاء، دعه يمر يا باب العطاء والوفاء  فالسماوات تنتظره الآن.

أشدد حيازيمك للموت

 فإنّ الموت لاقيــــــــكَ

ولا تجزع من المـــوت

 إذا حـــــلّ بناديــــــــكَ

كما أضحكك الدهــــــر

كذاك الدهر يبكيـــــــكَ

قاحل ومجدب دونك الزمان يا خصب الأمكنة والأزمنة، موبوء ومعاق هو العصر الذي ما أنصفك، ولم ينصفك يا سماء التواضع، ويا سنابل الكبرياء، يا فقيرا وكلّك غنى، دارت حولك الظلمات فكنت النبراس، وتعرّجَت طرق الضلالة فكنت الصراط، وكنت الميزان، حولك يدور اليباس وأنت الماء، أيّة قوة سكنت فيك يا سيدي وأي هواء نتنفسه منك يا طيب الحياة.

أنت النقطة وأنت الخط، الزاهد والفيلسوف، تجمَّعت فيك الأضداد، يا توأم الحق والقرآن.

قلتَ لهم : “اسألوني قبل ان تفقدوني”

فما أتعسهم وما أفقرهم في السؤال…! وما أغناك في الجواب، تريد حياتهم يا سيدي ويريدون قتلك، ما عرفوك، أو أنهم عرفوك فتجاهلوا الكون الذي يسكن فيك أيها الأرحب.

ما ألفوا نورك الجامح نحو فضاء أوسع منهم وأسمى فتمادوا في عتمتهم ليتصاغروا، لأنك الساطع المدهش تواروا في حالك الظلمات، لك المدى يا بديع الخصال تسلقت لبلاب الجراح فانزلقوا الى الهُوّة الدنيا، تريد حياتهم ويريدون  قتلك يا أقضى القضاة.

هل عرفوك يا كلّ العدل؟

 فكيف تجرّؤوا يا أمير العدالة والنقاء؟

 كيف تجرؤوا، كيف تجرّؤوا وهتاف جبريل زلزل الأكوان واخترق الأشياء:” تهدمت والله أركان الهدى وانطمست نجوم السماء وأعلام التقى وانفصمت والله العروة الوثقى قتل بن عم المصطفى قتل الوصي المجتبى قتل علي المرتضى قتل والله سيد الأوصياء قتله أشقى الأشقياء”.

لك المدى والحياة، ولهم الخزي والفناء

سلام عليك يا أمير النقاء.

عن المؤلف

كفاح وتوت

اترك تعليقا