الهدى – متابعات ..
يشهد العراق أزمة مرورية متفاقمة نتيجة الاستيراد العشوائي للسيارات، وضعف الرقابة على المنافذ الحدودية، ما أدى إلى تجاوز عدد المركبات 8 ملايين سيارة، في حين أن البنية التحتية لا تستوعب أكثر من 5 ملايين فقط.
وتشير التقارير إلى خسائر سنوية تصل إلى 500 مليار دينار بسبب الازدحام، والوقت المهدر، وزيادة استهلاك الوقود المدعوم.
ويرى خبراء الاقتصاد أن هذه الأزمة تؤثر بشكل مباشر على الإنتاجية، وكفاءة الأداء الاقتصادي، والبنية التحتية، وسط غياب تخطيط حكومي حقيقي، وقد دعا عدد من المختصين إلى تقييد الاستيراد، وتفعيل النقل الجماعي، وإخراج السيارات القديمة من الخدمة، كحلول استراتيجية للتخفيف من الزحام وتحسين كفاءة النقل.
وفي الوقت نفسه، سجل سوق السيارات في العراق نموًا ملحوظًا، حيث ارتفعت المبيعات بنسبة 25.2% خلال عام 2023، وسط تحذيرات من أثر هذا النمو غير المنظم على الاقتصاد والبيئة وواقع النقل الحضري.
ويحذر الباحث الاقتصادي، أحمد عيد، من تفاقم أزمة الاكتظاظ المروري في العراق، مؤكدا أن “البلاد تواجه تحديًا حقيقيًا ناجمًا عن الاستيراد العشوائي للمركبات، وضعف الرقابة على المنافذ الحدودية، ما أدى إلى تداعيات سلبية تمس البنية التحتية والاقتصاد الوطني على حد سواء”.
و يبين عيد، أن “الاستيراد غير المنظم للسيارات، ووجود شركات غير مرخصة تدخل المركبات دون الالتزام بالمعايير التنظيمية، ساهم بشكل كبير في خلق اختناقات مرورية خانقة”، لافتًا إلى أن “غياب التخطيط الحكومي لمراعاة الطاقة الاستيعابية للطرق زاد من حدة الأزمة”.
وأضاف، أن “العراق يشهد إدخال أعداد هائلة من المركبات من مناشئ غير رصينة، دون تقييم أثرها على البيئة أو كفاءتها الفنية، ما تسبب في ارتفاع استهلاك الوقود، وزيادة الضغط على شبكات الطرق، وارتفاع كلف الصيانة العامة”.
وشدد عيد، على أن المشكلة لا تقف عند حدود الازدحام فقط، بل تتعداها إلى آثار اقتصادية مباشرة، قائلاً: “الازدحامات تعطل حركة الأفراد والبضائع، وتؤثر على سلاسة العمليات التجارية، مما ينعكس سلبًا على الإنتاجية ويبطئ دوران العجلة الاقتصادية”.
وكشف تقرير لمؤسسة عراق المستقبل للدراسات والاستشارات الاقتصادية، أن العراق يتكبد خسائر سنوية تصل إلى نحو 500 مليار دينار بسبب الاختناقات المرورية في بغداد وحدها، بالإضافة إلى عمليات الهدر اليومي بالوقود.
وأعلنت وزارة التجارة مطلع الشهر الجاري عن خطوات جديدة تهدف إلى كبح جماح الاستيراد غير المنظم للسيارات، والذي أصبح يشكّل ضغطًا هائلًا على الشوارع والبنية التحتية في البلاد.
وأشار مدير عام الشركة العامة لاستيراد السيارات، هاشم السوداني، إلى أن العراق يستورد سنويًا قرابة 200 ألف مركبة، ما أدى إلى تضخم العدد الكلي للمركبات ليصل إلى أكثر من 8 ملايين سيارة، في وقت لا تتجاوز القدرة الاستيعابية لشبكة الطرق 5 ملايين فقط.
وهذا الفارق الكبير بين الاستيعاب والحجم الفعلي للمركبات، دفع السلطات إلى تشكيل لجان مختصة مهمتها وضع محددات دقيقة تتعلق بنوعيات وأعداد السيارات المستوردة، بما يطابق الحاجة الفعلية والقدرة التنظيمية.
وأوضح السوداني أن الحكومة تتجه لفرض ضوابط جديدة على الاستيراد، بشكل لا يثقل كاهل المواطنين أو يؤثر على الأسعار، وإنما يُسهم في تنظيم السوق، والتخفيف من الاختناقات المرورية المتفاقمة.
ومن بين المقترحات المطروحة، إعادة تسقيط السيارات القديمة التي استهلكتها الطرق والزمن، وهو حل يُمكن أن يفتح المجال أمام مركبات أكثر كفاءة وأقل ضررًا بالبيئة.
كما يجري العمل على مراجعة ضوابط التعامل مع تنوع العلامات التجارية الموجودة في السوق، بالتنسيق مع الجهات المعنية، لضمان توافقها مع المواصفات والاحتياجات المحلية.
في ذات السياق، يقول الخبير في مجال النقل، باسل الخفاجي، إن “الاستيراد العشوائي للسيارات دون ضوابط أو تخطيط أدى إلى “فوضى مرورية” في عموم المحافظات، لا سيما في العاصمة بغداد، التي تشهد اكتظاظًا متزايدًا بالسيارات، وسط غياب أي تحرك فعّال من وزارتي التخطيط والنقل”.
وتابع الحديث عن مشكلات الاستيراد العشوائي للسيارات قائلاً: “تسبب بتكدس كبير في الشوارع، مما يستدعي ضرورة اتخاذ قرارات حاسمة، مثل إيقاف استيراد السيارات لمدة لا تقل عن سنتين إلى ثلاث سنوات، حتى يتم إنجاز مشاريع الطرق والجسور التي من شأنها أن تستوعب هذا العدد الكبير من المركبات.
ويشير إلى أهمية معالجة ملف السيارات القديمة، قائلاً: “يجب إخراج السيارات التي مرّ على صنعها أكثر من 15 سنة من الخدمة، واستبدالها بسيارات حديثة أو الاعتماد على النقل العام”.
وأظهر تقرير صادر عن شركة “Focus2Move” أن مبيعات السيارات في العراق ارتفعت بنسبة 25.2% خلال 2023، في ظل تواصل الاستيراد غير المنظم وغياب قيود واضحة على الأعداد المستوردة. وتصدّرت شركة كيا السوق بـ27,325 سيارة منذ بداية العام حتى تشرين الثاني/نوفمبر، تلتها تويوتا بـ26,080 سيارة، ثم هيونداي بـ12,195 سيارة.
وجاءت MG الصينية في المركز الرابع بـ 10.779 سيارة، ثم شيفروليه بـ4.392، وشيري بـ3.176، وأخيرًا سوزوكي بـ2,927 سيارة، ويأتي هذا النمو وسط دعوات لفرض ضوابط تنظيمية جديدة لضبط الاستيراد، وتحقيق توازن في السوق، في ظل تزايد المخاوف من أثره على البنية التحتية والازدحام المروري.
ويؤكد الباحث الاقتصادي د. نوار السعدي أن “الازدحام المروري لم يعد مجرد إزعاج يومي، بل أصبح عبئًا اقتصاديًا ثقيلًا يؤدي إلى خسائر مادية مباشرة نتيجة انخفاض الإنتاجية”،
واوضح أن “الساعات الطويلة التي يقضيها الموظفون والعمال في الطريق بدلاً من مواقع عملهم تؤثر بشكل كبير على كفاءة الأداء الاقتصادي، وتعطل مسارات التنمية وتخفض من معدلات الإنتاج”.
واشار الى أن الحل الأساسي يجب أن ينبع من ربط السياسات المرورية بالسياسات الاقتصادية، ضمن مخطط تنموي شامل يأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات المستقبلية للسكان، والتحولات المتوقعة في النمو السكاني والتوسع الحضري.