رأي

الساحل السوري بعد حمص.. هل نكون أقوى من الإرهاب الطائفي؟

أبدأ من حيث انتهيت في مقالي السابق عن المجازر التي تعرض لها شيعة حمص تحت عنوان: “ماذا يريد الشيعة منّا في حِمْص؟!”، فما تزال مشكلتنا أكبر من مشكلة الشيعة في سوريا في ظل النظام السياسي الجديد، فنحن نستقبل الأخبار والمقاطع المصورة عن مشاهد مأساوية لقتل الأبرياء على يد جماعات تكفيرية دموية مستهدفين العلويين هذه المرة، دون أن تكون لدينا معطيات حقيقية من أرض الواقع تمكننا من التأثير على مجرى الاحداث الدامية والمساهمة في استتباب الأمن في الجارة سوريا.

منذ شهر كانون الثاني الماضي حيث تعرض شيعة أهل البيت، عليهم السلام، لهجمات تكفيرية في مدينة حمص، وحتى اليوم اقتصرت ردود الأفعال على التعبئة الطائفية للرد بالمثل، كما لو إن ثمة استجابة غريبة من لا شعور، فيما يغيب العقل والحكمة في معالجة الوضع الأمني والاجتماعي في سوريا، لاسيما وأن المرجعية الدينية في العراق باتت لها المقبولية الدولية والإقليمية في كونها محور للوحدة والسلم المجتمعي ومحاربة الإرهاب الطائفي، فبدل ان تكون ثمة زيارات تفقدية لمناطق الأقليات في سوريا، نلاحظ التعبئة الطائفية على وسائل التواصل الاجتماعي لتكون لدينا ما يشبه “الفزعة” لمجموعات مسلحة “تنصر الأخوة الشيعة في سوريا”! فيما راح البعض يوظف الدماء المسفوحة سياسياً وتسويقها اعلامياً على أن تعرّض شيعة سوريا للقتل بدم بارد يمثل رسالة لشيعة العراق بأن لا يسمحوا بتجريدهم من السلاح فيكون مصيرهم الإبادة الجماعية!

هل هي المرة الأولى التي يتعرض فيها اتباع أهل البيت، عليهم السلام، للاعتقال، والتعذيب، والقتل والتشريد والتهميش؟ أم إن القضية ملازمة للتاريخ على مر القرون الماضية، وقد لفت الباحثون ظاهرة صمود الشيعة حتى اليوم رغم تعرضهم للقتل والتشريد والتشويه، وكيف تمكنوا من البقاء واقفين على ارجلهم في الساحة، وربما أقوى من قبل، ينشرون أفكارهم وثقافتهم وعلومهم، وأكثر من هذا؛ يحققون إنجازات باهرة في العالم بالانتشار والتأثير على الآخرين من أبناء الطوائف الإسلامية الأخرى، وحتى الديانات الأخرى؟

السياسة هي التي تصنع الاحداث، وليست العقيدة والطائفة وحتى الدِين، فثمة مصالح سياسية وأمنية، وأخرى اقتصادية عليا تحرص عليها أطراف إقليمية ودولية في الشرق الأوسط، إنما سلاح التكفير والإرهاب الطائفي الوسيلة المناسبة للوصول الى الأهداف المرسومة

هذا يؤكد وجود عوامل قوة ومنعة من نوع خاص رصدته الأطراف الأخرى المناوئة لنا، مما دفعهم لمحاولة اختراقها وتفتيتها من خلال جرّنا الى مستنقع الإرهاب الدموي، ولا أشك في معرفة تلكم الأطراف بعجز الاستفزاز الطائفي عن تحقيق المراد، لمعرفتهم بأن إراقة المزيد دماء الشيعة، تعزيزٌ لقوتهم وتماسكهم، والأدلة على الأرض كثيرة لا تغيب عمن يدّعي إدارة الأمور السياسية والأمنية في المنطقة، ولكن! لسان حالهم: “لا حيلة في الأمر سوى القتل لإرضاء الجُهّال المخدوعين من جماعتنا ليبقوا القاعدة الجماهيرية واليد الضاربة في الساحة”!

لا مجال هنا لذكر الحقائق، وأن السياسة هي التي تصنع الاحداث، وليست العقيدة والطائفة وحتى الدِين، فثمة مصالح سياسية وأمنية، وأخرى اقتصادية عليا تحرص عليها أطراف إقليمية ودولية في الشرق الأوسط، إنما سلاح التكفير والإرهاب الطائفي الوسيلة المناسبة للوصول الى الأهداف المرسومة، أما كيف تكون مناسبة ومؤثرة؟ فهي مشاهد الدماء والقتل بدم بارد على الهوية، والشتم واللعن والتهديد وكل ما يهز المشاعر ويثير الغضب بسرعة فائقة، مما يستلزم وجود كوابح عقلية لتنظيم هذه المشاعر وتوجيهها نحو الموقف والعمل الصح، وإلا تبقى السياسة وحدها في الساحة تلوث المشهد بالدماء بُغية استفزاز الطرف المقابل، وجرّه الى ساحة المواجهة، ثم المزيد من الدماء والآلام المتقابلة، ومن ثم تكون هذه السياسة “النظيفة” هي حلال المشاكل بزيارات ولقاءات أكثر ما تشبه الأدوار المسرحية، لا صلة لها بواقع الناس المضطهدين والفاقدين للأمن والاستقرار.

عن المؤلف

محمد علي جواد تقي

اترك تعليقا